الإيجاز: هو حذف فضول الألفاظ مع الإيفاء المقصود، وهو نوع من الكلام شريف، لا يتعلّق به إلاّ فرسان البلاغة، وسُبّاق ميادين الفصاحة، ممَّن سبق إلى غايتها وما صلّى، وضرب في أعلى درجاتها بالقِدح المعلّى، وذلك؛ لعلوّ شأنه ورفيع مقامه، بل ولتعذّر إمكانه على غير أهله.
والبليغ كل البليغ من أوجز في كلامه فأوفى، واختصر في مقاله فأفاد، الأمر الذي يصعب على غير النبلاء من أرباب الفصاحة والبيان، وقد كان للقرآن منه الحظّ الأوفر والقسط الأكبر بما أثار الإعجاب وأطار بعقول ذوي الألباب.
قال ابن الأثير: والنظر في هذا الباب إلى المعاني بالذات لا إلى الألفاظ، ولستُ أعني بذلك أن تُهمل الألفاظ، بحيث تُعرّى عن أوصافها الحسنة، بل أعني أنّ مدار النظر في هذا النوع إنّما يختصّ بالمعاني، فربّ لفظ قليل يدلّ على معنىً كثير، وربّ لفظ كثير يدلّ على معنىً قليل.
ومثال هذا كالجوهرة الواحدة إلى الدراهم الكثيرة، فمَن ينظر إلى طول الألفاظ يُؤثر الدراهم لكثرتها، ومَن ينظر إلى شرف المعاني يُؤثر الجوهرة