من بديع البيان وظريفه حسن التخلّص، وهو قدرة كلامية قلّ مَن توفّق لها في ظرافةٍ وبراعةٍ كظرافة القرآن وبراعته (1) .
وهو: أن يأخذ المتكلّم في معنى من المعاني: فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره، بلطفٍ ورِفق، وكأنّما الأوّل مدرج إليه أو سبب من الأسباب المؤاتية له، وبذلك يكون الكلام كلّه آخذاً بعضه برقاب بعض، وكأنّما أُفرغ إفراغةً واحدة، الأمر الذي يدلّ على حذق المتكلّم وقوّة تصرّفه في مجاري الألفاظ والمعاني، فتراه ينتقل من موضوع إلى موضوع آخر من غير أن يقطع كلامه أو يستأنف كلاماً جديداً، على عكس (الاقتضاب) الذي هو القطع والاستئناف، وقد كان مذهب العرب الأوائل ومَن يليهم مِن المخضرمين، فخالفهم القرآن وأتى بطريقة جديدة
____________________
(1) هذا البحتري، فإنّ مكانه من الشعر لا يُجهل، وشعره هو السهل الممتنع الذي تراه كالشمس قريباً ضوؤها بعيداً مكانها، وهو على الحقيقة قَينة الشعراء في الإطراب، وعنقاؤهم في الإغراب، ومع هذا فإنّه لم يُوفّق في التخلّص من الغزل إلى المديح، بل اقتضبه اقتضاباً، قال ابن الأثير: ولقد حفظتُ شعره فلم أجد له من ذلك شيئاً مرضياً إلاّ اليسير. (المثل السائر: ج3 ص126).