قلنا: من بديع بيانه تعالى لإقناع الخصوم هو ذاك لطيف برهانه، همساً في الأسماع ووخزاً في القلوب، فتلك حججه قاطعة ودلائله لائحة، ترفع الغبار عن وجه الحقيقة بيدٍ ناعمة ولمسٍ خفيف، وتكشف النقاب عن محيّى الحقّ بإشارة خفية نافذة إلى الأعماق.
وممّا وقف عليه العلماء من أسرار بيان القرآن هو جمعه لأنواع البراهين العقلية، ولكن لا بمثل تلك التعقيدات التي تكلّفها المتكلّمون، بل جرياً مع المتعارف من الكلام المعقول، ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ إِلاّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيّنَ لَهُمْ ) (1) ، فإنّ الراغب في دقيق المحاجّة هو العاجز عن إقامة الحجّة بالجليل من الكلام، ومَن استطاع أن يفهم الأكثر بالأوضح مِن البيان لا يلجأ إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلاّ الأقلّون.
فقد أخرج الله تعالى مخاطباته في محاجّة العباد في أبهى صورة وأجلى بيان؛ ليفهم العامّة من جليلها ما يقنعهم ويلزمهم الحجّة، وتفهم الخواصّ مِن أثنائها ما
____________________
(1) إبراهيم: 4.