25%

نشأته وترعرعه

ولد علي (عليه السّلام) في بيت يتمتع بالحضور الكامل للإيمان والتقوى، بيت رحب الفكر، واسع المعرفة، مزدحم بالصالحين والطاهرين والذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، الذين لا يفتؤون يحرصون على صيانة مبادئ رسالتهم، ويتمسّكون بحرفيتها، ويرفعون ألوية العقيدة عالياً، بيت هو العقيدة بذاتها؛ الأمر الذي يفسر دعوة الله للناس كي يحبوا ذلك البيت ويوادّوه، ويحاربوا من يكرهه ويعادوه، بيت عامر بكل ما يمتّ للإسلام بصلة، وللحق والحقائق بروابط وعلائق.

ومن شأن الوليد الذي يفتح عينه في أجواء الصفاء لبيت الصفوة، وأوساط الشرف والسؤدد، وبيئة الخير والصلاح والهدى، من شأنه أن ينشأ على إفاضات ذلك البيت النبيل، وقبسات أهل ذلك البيت من الرجال الذين اُنيطت بهم حراسة القضية الإسلاميّة، وصيانة الشرع الشريف، وحفظ الدين المحمّدي الحنيف.

نشأ وهو يرتشف لبن صدور المؤمنات التقيات، وقد تشرّب بأخلص العواطف وصادق الحنان، وراح جسده ينمو وتنمو مشاعرهُ السليمة وروحه الطاهرة ونفسه السوية، أكل وشرب ممّا أنعم الله به حلالاً طيباً لا يأتيه الباطل والشبهة، نشأ على أسمى معاني المؤمنين الأتقياء ومزاحهم الجميل معه؛ فمادته ومعنوياته من فيض حوض طاهر نقي، بمعنى أن جسده وروحه تنزّها عن الشوائب المكدرة والأدران المقيتة.

ترعرع علي الأكبر في تلك الأوساط النظيفة، حيث قضى سني حياة صباه يدرج بين صفوة الرجال وصفوة النساء، وخيرة الفتيان والصبيان، بين شخصيات جليلة القدر، وشباب يسمون نحو الكمال والعز والإباء.

نشأ وترعرع وهو ملء العين، فتخطّى الزمن وتجاوز الأيام، مضى يقضي أياماً زاهرة وليالي مباركة، وأشهراً وسنيناً خالدات، متسلقاً الدهر، يعلو فوق هامة التاريخ شخصاً فريداً في مجمل خصوصياته، وشاباً خلاّقاً في ربيع حياته؛ فرجلاً بطلاً ينفرد في مميزات جمة وجليلة سامية؛ إذ نال من التربية ما يصعب على الكثيرين حصوله ونيله حتّى أبناء الملوك والأمراء، أبناء الأكاسرة والقياصرة، وما هو وجه الشبه حتّى نذكر ونمثّل بأبناء الملوك؟!