25%

اعتراف معاوية

ممّا سبق يتّضح جلياً ما لعليّ من شخصيّة ذات مؤهلات وكفاءات عالية رفيعة... وهو ما لم يدركه المحبون والمؤمنون والذين يشتاقون لرؤيته وزيارته فقط، بل يدركه أيضاً اُولئك الكارهون والمعادون؛ وعليه فقد كان علي الأكبر مثار إعجاب الأعداء فضلاً عن الأصدقاء والتابعين بإحسان.

إعجاب يجبرهم عليه شخصه؛ إذ يفرض نفسه فرضاً بما يتمتّع به من مواصفات كبرى، بحيث شهدوا له رغماً عنهم، واعترفوا به وهو غني عنهم، ومدحوه وهم له ولاُسرته كارهون، ولرسالته وأهدافه مبغضون، هكذا هم الأعداء، فما ظنك بما ينبغي أن يقوله الأصدقاء؟!

والعدو يندر أن يتكلّم ويقول الحقيقة، ولكنه يأتي بها مشوّهة نسبياً، وفي حالات ونوبات نفسيّة معينة، وخلال شكّه بنفسه وفقدانه الثقة بشخصه؛ ولهذا قال معاوية - وغيره كثيرون - في الإمام عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) وعموم أهل البيت النبوي ما قال وصرح بعظمة علي أمير المؤمنين (عليه السّلام)، ولا يسعنا هنا أن نذكر ذلك.

والآن نذكر الرواية التالية عن أبي الفرج الأصفهاني التي سجّلها في معرض حديثه عن علي الأكبر، فقال: وإيّاه عنى معاوية في الخبر الذي حدّثني به محمّد بن محمّد بن سليمان، قال: حدّثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدّثنا جرير، عن مغيرة قال: قال معاوية: مَن أحقّ الناس بهذا الأمر؟ (أي الخلافة)(٢) .

فأجابه جلساؤه فوراً بأنه هو، هو أحق بهذا الأمر وبالخلافة.

لم تكن الجلسة جلسة مداعبة أو لهو، وبالضبط لم يكن السؤال لمجرد التفكّه كما قد يتوهم الساذج، ولم يطرحه معاوية على سبيل الفكاهة، وقد تتجلى جدّية السؤال من خلال نفي معاوية نفسه للجواب الفوري الذي حصل عليه.

- مَن أحق الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت... قال: لا(٣) .

____________________

(١) مقاتل الطالبيِّين / ٨١.

(٢) مقاتل الطالبيِّين / ٨٠.

(٣) المصدر نفسه.