25%

علي يرابط في كربلاء مع المرابطين

حتّى إذا وصل الركب في مسيرته ربى الطفِّ وتلاع شاطئ الفرات، وقف الإمام الحسين (عليه السّلام) ليتعرّف على اسم المنطقة، وما هي إلاّ برهة زمنيّة حتّى أعلن بأنها موعده ومستودعه، ومنازل الأبطال ومقابر الشهداء.

- (( ها هنا والله مناخ ركابنا، وهنا هنا قَتلُ رجالنا... حتّى قال: وها هنا تُزار قبورنا، بهذه التربة وعدني جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا خلف )).

فنزلها الرجال والشباب، وقد انطلق الصبيان يلعبون ويرتعون، بينما أخذ الرجال يبنون البيوت وينصبون الفساطيط والخيام، فبانت أطناب الخيام، وظهرت مواقعها بأهلها المرابطين على الحق. ورابط علي الأكبر في بطحاء كربلاء منذ اليوم الثاني حتّى العاشر من شهر محرم.

أمّا الجيش المعادي الذي يرابط على شط الفرات فقد أخذ يتكاثر كلّ ضحى، وكلّ يوم حتّى كملت عدته يوم تاسوعاء؛ إذ كانت الكتائب تتوافد لترابط قِبالة الجبهة الحسينيّة؛ ولكثرتها تسنّى لها تنفيذ أوامر منع الماء الصادرة من ابن زياد؛ حيث ضربوا على نهر الفرات حصاراً يحول دون بلوغ ضفافه أي ضام عطشان.

وظل علي في انتظار دوره وأداء مهامه، فهو يترقب بدء القتال مع الأعداء، وبدء دوره خصوصاً؛ إذ كان في رأيه أن يكون هو أول قتيل وشهيد. لقد وقف إلى جانب ثلة الهاشميِّين تحت لواء عمّه العملاق العباس بن علي (عليهما السّلام)، ليطالب بأن يكونوا هم - بنو هاشم - أول من يبرز للميدان.

بيد أن عصبة الأنصار ترى أنها هي الأوّل دخولاً للميدان، وقد تجمّعوا تحت لواء المجاهد حبيب بن مظاهر الأسدي وهم يطالبون بعدم سبق الهاشميِّين للجهاد والقتل.

وتدور بين الطرفين مباراة كلامية، ويستمر تنافس الجناحين على الظفر بالأولوية لخوض غمار الحرب العادلة، ولا أحد يرضى بأن يكون ثانياً، كلٌّ يؤثر نفسه على الموت قبل غيره، وبطبيعة الحال فإنّ علياً كان أكثر عزماً وأشد رغبة في إحراز تلك الأسبقية والأولوية؛ فهو من جناح الهاشميِّين الذي يقول بضرورة تَقَدّم بني هاشم؛ لأنهم حَمَلة الرسالة، وثقل الحديد لا يحمله إلاّ أهله.

وأخيراً احتكم الجناحان إلى الإمام الحسين (عليه السّلام)، فحكم الإمام القائد للأنصار بالسبق لدخول الساحة. وظل الهاشميّون في ترقب لدورهم، وظل علي الأكبر خصوصاً أشد شوقاً لساعته ولحظات سعادته.