25%

على مصارع الأنصار، ومصرع الحرِّ الرياحي

حمى الوطيس، واحتدم الصراع؛ إذ دارت رحى حرب ضروس، جالت خلالها الخيل، واشتد اشتباك الأسنة واختلاف السيوف، فما انجلت الغبرة إلاّ عن جمع من القتلى. كانت تلك هي الحملة الأولى في صبيحة عاشوراء التي اشترك فيها الجميع، وتمخّضت عن قتل عشرات ومئات الاُمويِّين، كما أسفرت عن خمسين قتيلاً شهيداً من رجالات الإسلام الحسينيِّين (عليهم سلام الله ورضوانه).

ثم آب كلٌّ إلى موقعه، وبدأت عصبة الأنصار - أي ممّن تبقّى منهم - يستأذنون الإمام الحسين (عليه السّلام) للجهاد مثنى وفرادى وهو يأذن لهم. وكان عاشوراء يوماً مشهوداً؛ حيث صعدوا مسرح الجهاد والاستشهاد وهم لا يلوون على شيء، ولا يفكّرون بشيء سوى الفداء والفناء من أجل مجد الإسلام والبقاء الرسالي.

ظل علي يرمق ببصره البعيد أطراف الميدان، مكبراً تفاني الأنصار البواسل الشجعان؛ فقد كان قوي العزيمة، لا تخونه إرادته ولا تلين عزيمته أو تضعف شكيمته، قوي البأس، ثابت الجنان، صلب صامد على مصارع عصبة الأنصار، حتّى إنّه شهد مصارعهم وكان يرثيهم ويؤبّنهم، مشتاقاً لما آلوا إليه.

كما وقف على جسد أحدهم وهو يرثيه بأبيات نفيسة؛ إذ أشرف علي الأكبر على جسد البطل المجاهد الحر بن يزيد الرياحي، وقد سبقه والده الحسين (عليه السّلام) الذي أبّنه بقوله:(( بخ بخ لك يا حر! أنت الحر كما سمّتك اُمّك، وأنت الحر في الدنيا والآخرة )) أو(( سعيد في الآخرة )) .

فعقّب علي الأكبر قائلاً:

لَنعمَ الحرُّ حرَّ بني رياحِ

صبورٌ عند مشتبك الرماحِ

ونعم الحرُّ إذ نادى حسيناً

فجاد بنفسه عند الصباحِ(١)

____________________

(١) مقتل الحسين - للخوارزمي ٢ / ١١، ومقتل العوالم / ٨٥، ورويت الأبيات مع إضافات، كما وقيل: إنها للإمام الحسين (عليه السّلام):

لنعمَ الحرُّ حرَّ بني رياحِ

صبورٌ عند مشتبكِ الرماحِ

ونعمَ الحرُّ في وهج المنايا

إذ الأبطالُ تخطر بالصفاحِ

ونعم الحرُّ إذ واسى حسيناً

وجاد بنفسه عند الصباحِ

فيا ربّي أضفه في جنانٍ

وزوجه من الحور الملاحِ

لقد فاز الاُلى نصروا حسيناً

وفازوا بالكرامة والفلاحِ