25%

محاولة اُمويّة لاستمالته

ساد في العصر الجاهلي البائد صراع وخراب أدى إلى سفك الدماء وإراقتها دونما حساب؛ وذلك بفعل الروح العشائريّة والعصبيّة القبليّة، وقد اشترك في تلك الحروب والمعارك أفراد وجماعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما يقول المثل. فلا يتأخّرون عن إشعال نار معركة لأدنى سبب تافه وصلة قربى رخيصة، ولربما كانت صلة مصطنعة وهمية أو مجرد استلحاق لا غير.

ويكفينا أن نتذكر أدوار زياد بن أبيه ومهامه الإجراميّة الشنيعة عقيب استلحاق معاوية له بأبيه صخر بن حرب (أبي سفيان)؛ إذ أضحى زياد بن أبي سفيان، وصار أبو سفيان والد زياد بالاستعارة، فكان عليه أن يؤدّي حق النسب والرحم، وقل: حق الاستلحاق والرابطة الوهمية.

وقد جرّت على الاُمّة ويلات ومآسي نتيجة لوهم النسب هذا، ونتيجة لتمكين معاوية لزياد من رقاب المؤمنين؛ فالمعاني الجاهليّة التي عادت لتسود في زمن بني اُميّة كان لها الأثر البالغ في صنع كثير من الأحداث، وفي حرب أهل الحق وآل الرسول (صلّى الله عليه وآله).

ويحدث أحياناً استمالة بعض العناصر من طرف ما إلى طرف آخر من هذا المنطلق، ووفق منطق الصراع القبلي، فما أن يُلاحظ وجود عناصر أو عنصر واحد له صلة رحمية حتّى يعرضوا عليه منطق حمية الجاهليّة. وقد أشرنا إلى أنّ جدّة علي الأكبر لأمهِ، وهي ميمونة، من بني اُميّة؛ (ولهذا دعاه أهل الشام - حسب قول البخاري - إلى الأمان، وقالوا: إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد بن معاوية. يريدون رحم ميمونة بنت أبي سفيان)(١) .

وهذا ما أشار إليه الزبيري، ولم يقل: أهل الشام، أو أن القائل هو شامي، وإنما عراقي: (وكان رجل من أهل العراق دعا عليّ بن الحسين الأكبر إلى الأمان، وقال له: إنّ لك قرابة بأمير المؤمنين - يعني يزيد بن معاوية - ونريد أن نرعى هذا الرحم، فإن شئت أمنّاك)(٢) .

وثمة شيء آخر وهو أن قائد الجيش عمر بن سعد بن أبي وقاص من اُمٍّ اُمويّة، وهي أخت ميمونة، أي من بنات أبي سفيان(٣) .

فللنسب والرحم سلطان على نفوس الناس، يسوقهم حيثما اشتهى مَن بيده زمام اللعبة، كسلطان الطائفيّة اليوم في السياسة الدولية المعاصرة؛ حيث إنّ السُّني أو الشيعي، ثمّ المسيحي أو اليهودي، أو مَن له أدنى رابطة بأيٍّ من تلك الطوائف يمكن أن يُسخّر ويستغل ويستخدم، وهو ما نلاحظه ونلمسه لمس اليد.