25%

الجولة الثانية

-(( ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً )) .

وما أروع هذا الارتواء الروحي والشربة المعنوية والجرعة المشبعة بالمعاني الجليلة، وقد عملت عملها في نفس علي الأكبر، فغدا إلى الحلبة في جولته هذه وهو أشد اشتياقاً للارتواء الأبدي بماء الكأس الأوفى لجدّه المصطفى (صلّى الله عليه وآله) من حوض الكوثر وجنة عدن! إنها لبشارة مبهجة لا يعيها أو يستوعبها فيتأثّر بها إلاّ ذوو العلم والإيمان واليقين بما ينتظرهم من نعيم الفردوس، ويفيض من على موائدها أو ضفاف أنهارها.

وتقدّم البطل العملاق العطشان، الراوي من الإيمان، وامتشق حسامه فرنّ رنينه إيذاناً ببدء فعالياته، وشقَّ الرمال معتلياً صهوة جواده الذي خلّف وراءه غبرة غليظة ممتدة، شدّ عليهم ليكتسحهم كسحاً، ويكرد جحافلهم كرداً.

(فزحف فيهم زحفة العلوي السابق، وغبّر في وجوه القوم، ولم يشعروا أهو (الأكبر) يطرد الجماهير من أعدائه، أم أنّ (الوصي) (عليه السّلام) يزأر في الميدان، أم أن الصواعق تترى في بريق سيفه، فأكثر القتلى في أهل الكوفة حتّى أكمل المئتين)(١) .

هذا وهو يؤكّد لهم بأنّ ثمة حقائق قد تجلب للحرب هذه، وهي حقائق ثابتة، ولا مجال للتفريط في حقِّ تلك الحقائق ذات البراهين والمصاديق الواضحة البيّنة على الساحة؛ فأثناء شنّهِ لحملاته صرّح لهم مؤكّداً، وباُسلوبه الجميل من خلال اُرجوزة جميلة واُنشودة ثانية جليلة كرّرها على مسامعهم بمنطقة المسدد:

الحربُ قد بانت لها حقائقُ

وأظهرت من بعدها مصادقُ

واللهِ ربِّ العرش لا نفارقُ

جموعَكم أو تُغمد البوارقُ

فبناء على تلك الحقائق وما تبعها من مصاديق عملية، فهو يواصل دورَه أبداً دون أن يترك الساحة، كيما يقوم بتدعيم المصاديق، ولن يفارق مهمته قط؛ لأنه سليل أهل الحق وسادة الحقيقة، وربّان الحقائق التي بدأت جلية على أيديهم، وواصلوا الكفاح من أجلها والجهاد خلال الصراع في خضمّ التنازع على البقاء والإبقاء، وأنه سيبقى وسيثابر على ثباته، ويكرّر وثباتهِ بتحدٍّ وصرامة وغلظة،(واللهِ ربِّ العرش لا نفارقُ) .