25%

رثاء الشعراء

كلاّ، إنّ رثاء روّاد الحقائق لا كرثاء الميت العادي الذي يعني رثاؤه ختم حياته ودوره، وإعطاءه اعتباره وكفى، ثمّ إهالة التراب وغلق قبره. إنّ رثاء روّاد الحقائق هو إثراء للقيم والمفاهيم؛ ذلك لأنهم شهداء بكل ما للكلمة من معنى.

فعلي الأكبر إذ يترنّح أرضاً، وأضحى طريح رمال ربى الطفِّ يظلله فسطاط الشهداء إلى جانب الذين صُرّعوا ممّن قد سبقوا عليّاً؛ إذ هو في مرقده المقدس كغيره، كأبيه لم يزل فكراً نيراً، ومثلاً شامخاً سامياً، ومن شأن الفكر والقضية المبدئية أن لا تنالها يد السوء والردى إن نالت الجسم والجسد.

ومحا الردى يا قاتلَ الله الردى

منه هلالَ دجى وغرّة فرقدِ

يا نجعةَ الحيِّين هاشم والندى

وحمى الذمارين العلا والسؤددِ

فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا

ما بعد يومك من زمان أرغدِ

كيف ارتقت هممُ الردى لك صعدةً

مطرودة الكعبين لم تتأوّدِ

أفديه من ريحانةٍ ريّانةٍ

جفّت بحرِّ ظما وحرّ مهنّدِ

بكر الذبولُ على نضارة غصنِهِ

إنّ الذبول لآفةِ الغصن الندي

لله بدرٌ من مراق نجيعِه

مزج الحسام لجينه بالعسجدِ

ماءُ الصبا ودم الوريد تجاريا

فيه ولاهبُ قلبه لم يخمدِ

لم أنسه متعمّماً بشبا الضّبا

بين الكماة وبالأسنّة مرتدي

خضبت ولكن من دمٍّ وفراته

فاخضرّ ريحان العذار الأسودِ