25%

(سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)

لو استحضرنا قصة يوسف ومعاناة يعقوب (عليهما السّلام) لنقابلها بقصة علي الأكبر ومعاناة الحسين (عليهما السّلام) فليس من باب المفاضلة والتفاضل أو المقارنة، وإنّما من باب الحرص على التنبيه وإلفات النظر؛ حيث لا تشابه بين القصّتين إلاّ من حيث طبيعة المردود وأثر المفقود.

فيعقوب النبي (عليه السّلام) لم يبتلِ بما ابتلى به الحسين الوصي (عليه السّلام)، وليس له مشكلة سوى أنه فقد ابنه ولم يستيقن قتله، فعانى ما عاناه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، وكاد أن يكون حرضاً أو من الهالكين. فليس عنده مشكلة قياساً لما عند الحسين (عليه السّلام) بكربلاء وهو يشهد ريحانته قتيلاً مقطّعاً إرباً إرباً، فيفقده نهائياً وبمحضره. وليس ليعقوب وولده يوسف قضية بقدر ما للحسين ونجله (عليهم السّلام جميعاً) من قضية ذات أبعاد مستقبلية.

ترى هل لنا أن ندرك الثمن الذي قدّمه الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من أجلنا نحن، من أجل أن نحيا تحت ظل ديننا العملاق؟ أم هل لنا أن نتفهّم حقيقة مهمّة الحسين (عليه السّلام) بحيث دفع بكلِّ سخاء، وجاد بكلِّ كرم بأعزِّ ما لديه من أجل حياة حرّة لاُمّته الكريمة؟

صحيح أن مقتل ولده قد هدّ من قواه وأحنى ظهره، هو أرزاه فكانت فاجعة رغم أنها متوقعة غير مفاجئة، لكن ذلك ما كان ليغيّر من موقفه الواحد، بل ما كان ليؤثّر سلبياً على قضيته أدنى تأثير؛ لا تردد، لا تراجع أو تبديل، إنها مسألة حدّيّة، وقضية رفض مبدئيّة ليس للفواجع أي طارئ عليها، كيف والاستشهاد إنما هو من باب سموّ التفاني وكمال التضحية!

فالإمام الحسين (عليه السّلام) تملكه قضيته الإلهية الرساليّة، تملك عليه جميع مشاعره وعواطفه وجوارحه؛ ولهذا يجود لنا، لمستقبلنا المرجو، لبقائنا المأمول، بولده علي الأكبر، بل بكل ولده وإخوته، وأبناء عمومته وأصحابه الأحرار؛ فالإسلام أثمن حتّى من نفسه هو بالذات، فمتى نستيقظ ممّا نحن فيه من سبات؟! فهل لنا أن نقف لنتبصّر طريقنا إلى تبنّي قضايانا بنكران ذواتنا، أم هل لآبائنا استعداد بأن يجودوا اليوم بنا؟ سنجود إن شاء الله بأنفسنا وبكل ما لدينا وحتى بآبائنا.