هدايته، وكبير أثره، فإنه هو الذي أخرجهم من حضيض الجاهلية إلى أعلى مراتب العلم والكمال، وجعلهم يتفانون في سبيل الدين وإحياء الشريعة.
ولمّا عرفنا أن القرآن معجزة إلهية، في بلاغته وأسلوبه، لذا يجب علينا أن نعلم أيضاً أن اعجازه لا ينحصر في ذلك، بل هو معجزة ربّانيّة، وبرهان صدق على نبوة من انزل إليه من جهات شتى، فيحسن بنا أن نتعرض إلى شيء منها على نحو الاختصار:
صرح الكتاب في كثير من آياته الكريمة بأن محمداً (ص) أميٌّ، وقد جهر النبي بهذه الدعوى بين ملأ من قومه وعشيرته الذين نشأ بين أظهرهم، وتربى في أوساطهم، فلم ينكر أحد عليه هذه الدعوى، وفي ذلك دلالة قطعية على صدقه فيما يدعيه. ومع أُميَّته فقد أتى في كتابه من المعارف بما أبهر عقول الفلاسفة، وأدهش مفكري الشرق والغرب منذ ظهور الاسلام إلى هذا اليوم، وسيبقى موضعاً لدهشة المفكرين، وحيرتهم إلى اليوم الأخير، وهذا من أعظم نواحي الاعجاز. ولنتنازل للخصوم عن هذه الدعوى، ولنفرض أن محمدا (ص) لم يكن أميّاً، ولنتصوره قد تلقن المعارف، وأخذ الفنون والتاريخ بالتعليم، أفليس لازم هذا أنه اكتسب معارفه وفنونه من مثقفي عصره الذين نشأ بين أظهرهم؟ ونحن نرى هؤلاء الذين نشأ محمد (ص) بينهم، منهم وثنيون يعتقدون بالاوهام، ويؤمنون بالخرافات،ومنهم كتابيون يأخذون معارفهم وتأريخهم، وأحكامهم من كتب(العهدين) التى ينسبونها إلى الوحي، ويعزونها إلى الانبياء. وإذ فرضنا أن