10%

المِلاك والمناط في نصوص الفقه الشيعي

يقول الإمام الصادقعليه‌السلام :((إنّ حكم الله عزّ وجلّ في الأوّلين والآخرين وفرائضه عليهم سواء، إلاّ من علّة أو حادث يكون)) (٣١) .

السؤال الّذي كان ولا يزال يشغل أذهان الفقهاء وغيرهم من علماء المسلمين، هو مواجهة الدين والشريعة الإسلاميّة، لظروف مختلفة ومتغيّرة بشكل دائم عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة. فكيف يتأتى لشريعة شاملة خالدة اكتملت قبل ما يزيد على ألف عام، أن تلبّي المتطلّبات الناجمة عن جميع هذه التغيّرات والتحوّلات؟

ينبغي القول ردّاً على ذلك: إنّ الشريعة الإسلاميّة لها أصول وأهداف ثابتة؛ مثل تحقيق المصالح الفرديّة والاجتماعيّة، واجتناب المفاسد. وبموازاة ذلك لها فروع قابلة للتغيّر. وبعبارة أخرى، لا شكّ في أنّ الأحكام الإسلاميّة تأخذ بنظر الاعتبار المصالح والمفاسد الواقعيّة، الّتي يرتبط الحكم الشرعي ارتباطاً وثيقاً وتامّاً بوجودها وعدم وجودها. ونورد مثالاً على ذلك: إذا كان الشرع قد أمر بالعدل والإحسان، فإنّما هو لأجل الفوائد الماديّة والمعنويّة الّتي تنتج عنهما. وإذا نهى عن الظلم والخيانة، فإنّما كان ذلك بسبب الأضرار الفرديّة والاجتماعيّة الناتجة عنهما. ومن وجهة نظر علماء الإماميّة وبعض الفِرق السنيّة، فإنّه لا يوجد في الشريعة الإسلاميّة أمر أو نهي، إلاّ وهو تابع لمصلحة أو مفسدة؛ واستناداً إلى هذا المبدأ الكلّي البديهي لا يبقى مجال لعدم انسجام الأحكام الإلهيّة مع مصالح الإنسان. وإذا تصوّر، في حالة مّا، أنّ الحكم الإلهي يناقض مصالح الإنسان، فإنّ ذلك دليل على أحد أمرين: إمّا أنّ المصالح الفرديّة أو الاجتماعيّة لم تُدرك بشكل صحيح، أو أنّه وقع خطأ في فهم الحكم الإلهي واستنباطه.

وينبغي هنا إدراك أنّه رغم كون القول بأنّ متابعة الأحكام الإلهيّة للمصالح والمفاسد، هو رؤيّة عقلانيّة وسامية، إلاّ أنّ هذا المبدأ يتضمّن جدالاً كبير ومخاطرة عظيمة، ويؤكّد سؤالاً أساسيّاً، وهو: تُرى هل يمكن لبشر إدراك علّة وفلسفة الأحكام (الصالح والمفاسد)؟

ــــــــــــــ

٣١ ـ الكليني، ثقة الإسلام أبو جعفر محمد بن يعقوب، فروع الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، ط١، دار الأضواء، بيروت، ١٤١٢ هـ.ق، ج٥، ص١٨.