10%

فألّف كُتباً عدّة، حاول فيها الخروج عن المألوف في تدوين الفقه، فأثرت حركته وانتقل بها إلى مراتب عجز تلاميذه عن مجاراته فيها، فجمدوا أمام عبقريّته سنين متطاولة(٧) .

وهكذا تابع الفقه مسيرته، بين تطور وركود، إلى أن وصل إلى عصرنا الحاضر. ولا نريد أن نؤرِّخ لتطور الفقه عبر عصوره الّتي مرَّ بها، ولكن نريد الدخول من هذا الباب إلى البحث عن الإمكانيّات الّتي يتمتَّع بها الفقه للتطوير، ووسائل هذا التطوير ومساربه.

١ ـ مِلاكات الأحكام:

يؤمن كثير من الفقهاء بأنّ الأحكام الّتي شرّعها الله تابعة للمصالح والمفاسد المترتِّبة عليها، وهذه المصالح أو المفاسد يُطلق عليها مصطلح: (مِلاكات الأحكام)، ومن شأن الالتفات إلى مِلاكات الأحكام ومحاولة اكتشافها أن يدفع بالفقه إلى الأمام، وقد التفت كثير من الفقهاء إلى هذه المسالة، وعبرَّوا عنها بعبارات مختلِفة، تدور بأجمعها حول إمكانيّة إدراك علّة الحكم، وتوسعة بعض الأحكام الواردة في واقعة محدَّدة لتشمل غيرها من الوقائع المشابِهة، وضمن هذا الإطار يقع القياس عند فقهاء أهل السنّة، وتنقيح المناط عند فقهاء الإماميّة.

ولم يكن الموقف من إدراك مِلاكات الأحكام موحَّداً، بل اختُلِف بين فقة العبادات وفقه المعاملات؛ حيث فرّق بعض الفقهاء بين المجالين، فحكموا بإمكانيّة الوصول إلى المِلاك في المجال الثاني دون المجال الأول.

(( إذا كان للشارع كلمة بشأن الأصول العُقلائيّة، نفياً أم إثباتاً، فإنّ هذه الممارسة تُعَدُّ في الواقع إرشاداً إلى حكم العقلاء، لا أنّ للشارع تعبُّداً في باب المعاملات. أمّا في باب العبادات، فلا يمكن أن نأتي بالتعليلات بشأن الأحكام الشرعيّة...)) (٨) .

ــــــــــــــ

٧ ـ محمد باقر الصدر، المعالم الجديدة للأصول، ط٣، بيروت، دار التعارف، ١٩٨١م، ص٦٢.

٨ ـ محمد هادي معرفت، الحياة الطيّبة، العدد ٦ و٧، ص٥٠، وللمقارنة انظر: محمد مهدي شمس الدين، مجلة المنطلق، العدد١١١.