المطلب الثالث فيما دار الامر فيه بين الوجوب والحرمة
وفيه مسائل
[ المسألة ] الاولى: في حكم دوران الامر بين الوجوب والحرمة من جهة عدم الدليل على تعيين أحدهما بعد قيام الدليل على أحدهما كما إذا اختلفت الامة على القولين بحيث علم عدم الثالث.
فلا ينبغي الاشكال في إجراء أصالة عدم كل من الوجوب والحرمة بمعنى نفي الاثار المتعلقة بكل واحد منهما بالخصوص إذا لم يلزم مخالفة علم تفصيلي، بل لو إستلزم ذلك على وجه تقدم في أول الكتاب في فروع إعتبار العلم الاجمالي.
وإنما الكلام هنا في حكم الواقعة من حيث جريان أصالة البراءة وعدمه، فإن في المسألة وجوها ثلاثة: الحكم بالاباحة ظاهرا، نظير ما يحتمل التحريم وغير الوجوب، والتوقف بمعنى عدم الحكم بشئ لا ظاهرا ولا واقعا، والتخيير.
ومحل هذه الوجوه ما لو كان كل من الوجوب و التحريم توصليا بحيث يسقط بمجرد الموافقة، إذ لو كانا تعبديين محتاجين إلى قصد إمتثال التكليف أو كان أحدهما كان المعين كذلك لم يكن.
ولا إشكال في عدم جواز طرحهما والرجوع إلى الاباحة، لانها مخالفة قطعية عملية.
وكيف كان، فقد يقال في محل الكلام بالاباحة ظاهرا، لعموم أدلة الاباحة الظاهرية، مثل قولهم: (كل شئ لك حلال)، وقولهم: (ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع)، فإن كلا من الوجوب والحرمة قد حجب عن العباد علمه.
وغير ذلك من أدلته، حتى قوله عليه السلام: (كل شئ مطلق حتى يرد فيه أمر أو نهي)، على رواية الشيخ، رحمه الله، إذ الظاهر ورود أحدهما بحيث يعلم تفصيلا، فيصدق هنا أنه لم يرد أمر ولا نهي.