ذلك فلما الحّ عليه المأمون ارسل اليه ان اعفيتني، فهو احب الي وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّهصلىاللهعليهوآلهوسلم وامير المؤمنين علي بن ابي طالبعليهالسلام ، فقال له المأمون: اخرج كيف شئت، وأمر القواد والحجاب والناس ان يبكروا الى باب الرضاعليهالسلام . قال فقعد الناس لأبي الحسنعليهالسلام في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار جميع القواد والجند إلى بابه، فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ابو الحسنعليهالسلام ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه ومس شيئاً من الطيب واخذ بيده عكازاً(١) وقال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة، فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر، وكبّر مواليه معه، ثم مشى حتى وقف على الباب فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة، سقطوا كلهم عن الدواب الى الأرض، وكان احسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شرابة حاجليته(٢) ونزعها، وتحفَّى، وكبَّر الرضاعليهالسلام على الباب وكبر الناس معه فخيل الينا أن السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج، لما رأوا ابا الحسنعليهالسلام وسمعوا تكبيره، قلت ويحق ان انشد في هذا المقام:
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا |
لما خرجت الى الصلاة وكبروا |
|
ومشيت مشية خاضع متواضع |
للّه لا يزهى ولا يتكبر |
|
فافتن فيك الناظرون فاصبع |
يومى اليك بها وعين تنظر |
|
يجدون رؤيتك التي فازوا بها |
من أنعم اللّه التي لا تكفر |
لكن المأمون كفر بهذه النعمة الجزيلة لما بلغه ذلك وخاف إن بلغعليهالسلام المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، فبعث اليه: قد كلفناك
____________________
(١) كطلاب وزنا: عصا ذات زج في اسفلها يتوكأ عليها الرجل.
(٢) الحاجلية: يقصد بها الحذاء المشدود برباط.