8%

منهزمين في أثناء الصلاة، فقد قذف في قلوبهم الرعب، وسرت فيهم أوبئة الخوف، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا جميعاً ولم يبق معه إنسان يدلّه على الطريق أو يأويه، وقد لبس الكوفيون بذلك ثياب العار والخزي، وأثبتوا أن ولاءهم لأهل البيت: كان عاطفياً، وغير مستقرّ في دخائل قلوبهم، وأعماق نفوسهم وأنّهم لا ذمّة ولا وفاء لهم.

وسار مسلم فخر بني هاشم متلدّداً في أزقّة الكوفة، وشوارعها يلتمس فيها داراً لينفق فيه بقية الليل، فلم يظفر بذلك، فقد خلت المدينة من المارة، كأنّما أعلن فيها منع التجول، فقد أغلق الكوفيون عليهم الأبواب مخافة أن تعرفهم مباحث الأمن، وعيون ابن زياد بأنّهم كانوا مع ابن عقيل فتلقي عليهم القبض، وتعرّضهم للتنكيَل وسوء العذاب.

في ضيافة طوعة:

وبقي ابن عقيل حائراً لا يدري إلى ابن مأواه وملجئه، فقد أحاطت به تيّارات من الهموم، وكاد قلبه أن ينفجر من شدّة الألم العاصف واستبان له انّه ليس في المصر رجل شريف يقوم بضيافته وحمايته، ومضى متلدّداً في أزقّة الكوفة، وانهى به السير إلى سيّدة كريمة، يقال لها طوعة هي سيّدة من في المصر بما تملكه من إنسانية وشرف ونبل، وكانت واقفة على باب دارها تنتظر قدوم ابنها، وهي فزعة عليه، من الأحداث الرهيبة التي مُني بها المصر، ولما رآها مسلم بادر نحوها فسلّم عليها، فردّتعليه‌السلام ، ووقف مسلم، فأسرعت قائلة:

« ما حاجتك؟ ».

« اسقيني ماءاً ».