8%

ودلّ هذا الشعر على زهده في الدنيا، ورغبته الملحّة في لقاء الله تعالى، وانّه مصمّم كأشدّ ما يكون التصميم على الجهاد، والشهادة في سبيل الله.

إنّ التقاء الإمام مع الفرزدق كشف عن خنوع الناس، وعدم اندفاعهم لنصرة الحق فالفرزدق الذي كان يملك وعياً اجتماعياً، ووعياً ثقافياً متميزاً رأى ريحانه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ماضٍ في طريقه إلى الشهادة قد تضافرت قوى الباطل على حربه فلم يندفع إلى نصرته، والالتحاق بموكبه، واختار الحياة على الشهادة، فاذا كان هذا حال الفرزدق فكيف بغيره من جهّال الناس وسوادهم.

وصول النبأ بمقتل مسلم:

وسارت قافلة أبي الأحرار تطوي البيداء لا تلوي على شيء حتى انتهت إلى ( زرود ) وإذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة، فلمّا رأى الامام الحسينعليه‌السلام عدل عن الطريق وقد وقف الامام يريد مسألته فلمّا رآه قد مال عنه واصل سيره، وكان مع الإمام عبد الله بن سليمان، والمنذر بن المشمعل الأسديان فسارعا نحو الرجل حينما عرفا رغبة الإمام في سؤاله، فأدركاه، وسألاه عن خبر الكوفة فقال لهما: إنّه لم يخرج حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ورآهما يجرّان بأرجلهما في الأسواق، فودّعاه وأقبلا مسرعين حتى التحقا بالإمام، فلما نزل الثعلبية قالا له:

« رحمك الله ان عندنا اخباراً ان شئت حدّثناك به علانية، وان شئت سرّاً ».

ونظر الإمام إلى أصحابه الممجّدين فقال:

« ما دون هؤلاء سرّ ».