8%

القوم انّما يطلبونني ولو أصابوني لُهوا عن طلب غيري »(١) .

وتمثّلت روعة الإيمان، وسرّ الإمامة بهذا الخطاب العظيم الذي كشف جانباً كبيراً عن نفسية أبي الأحرار، فقد تجنّب في هذا الموقف الدقيق الحاسم جميع ألوان المنعطفات، ووضع أصحابه وأهل بيته أمام الأمر الواقع فقد حدد لهم النتيجة التي لا مفرّ منها وهي القتل والتضحية، وليس هناك أي شيء آخر من متع الدنيا، وقد طلب منهم أن يخلوا عنه وينصرفوا تحت جنح الظلام، فيتخذونه ستراً دون كل عين، فلعلّهم يخجلون أن يبتعدوا عنه في وضع النهار، فقد جعلهم في حلّ من التزاماتهم تجاهه، وقد عرّفهم أنّه بالذات هو الهدف لتلك الوحوش الكاسرة المتعطشة إلى سفك دمه، فإذا ظفروا به فلا إرب لهم في طلب غيره.

جواب أهل البيت:

ولم يكد يفرغ الإمام من خطابه حتى هبّت الصفوة من أهل البيتعليهم‌السلام ، وعيونهم تفيض دموعاً، وهم يعلنون ولاءهم له، وتضحيتهم في سبيله، وقد مثلهم أبو الفضل العباسعليه‌السلام فخاطب الإمام قائلاً:

« لم نفعل ذلك؟!! لنبقى بعدك، لا أرانا الله ذلك أبداً ».

والتفت الإمام إلى السادة من ابناء عمّه من بني عقيل، فقال لهم:

« حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا فقد اذنت لكم ».

وهبّت فيتة آل عقيل كالأسود تتعالى أصواتهم، قائلين:

« إذن ما يقول الناس:، وما نقول:، إنا تركنا شيخنا وسيّدنا، وبني

__________________

(١) ابن الأثير ٣: ٢٨٥.