على ذلك أنّه لم تكن هناك رقابة ولا مباحث في جيش الامام على من يتّصل بمعسكر معاوية فقد كان الطريق مفتوحاً، وجرت اتصالات مكثّفة بين معاوية والأشعث وغيره من قادة الجيش العراقي، وقدم لهم معاوية الرشوات، ومنّاهم بالمراتب العالية، وبالمزيد من الأموال إن استجابوا لدعوته.
وعلى أيّ حال فقد أُرغم الإمام على قبول التحكيم، فقد أحاطت به قطعات من جيشه وقد شهرت عليه السيوف والرماح وهي تنادي: « لا حكم إلاّ لله » واتّخذوا هذا النداء شعاراً لتمرّدهم، ووقوفهم ضدّ الامام، وسرعان ما أصبحوا حركة ثورية، ومصدر قلق مثير للفتن والاضطراب.
وعلى أيّ حال فقد جهد الإمام بنفسه ورسله على إقناعهم، وإرجاعهم إلى طريق الحقّ والصواب، فلم يتمكّن، ورأى أنّهم جادّون على مناجزته والإطاحة بحكومته، فاستجاب لهم، وأوعز إلى قائد قوّاته العسكرية الزعيم مالك الأشتر بالانسحاب عن ساحة الحرب، وإيقاف العمليات العسكرية، وكان قد أشرف على الفتح فلم يبق بينه وبين الاستيلاء على معاوية سوى مقدار حلبة شاة، ورفض مالك الاستجابة وأصرّ على مزاولة الحرب إلاّ أنّه أخبر بأنّ الإمام في خطر، وان المتمرّدين قد أحاطوا به، فاضطرّ إلى إيقاف الحرب، وبذلك فقد تمّ ما أراده معاوية من الإطاحة بحكومة الإمام، وكتب له في تلك اللحظات النصر على الإمام، وقد انتصرت معه الوثنية القرشية كما يقول بعض الكتّاب والمحدثين.
وتوالت المحن والأزمات على الإمام يتبع بعضها بعضاً، وانكشفت خفايا هؤلاء العملاء المتمرّدين، فقد أصرّوا على انتخاب أبي موسى