4%

ينصرف إلّا إليه، وإن قيل محلّه فهو هذا المحلّ المعروف على أمم من الجحفة، ولم يعرف أحد من البحَّاثة والمنقّبين سواه، نعم: شذّ عنهم (الدكتور ملحم إبراهيم الأسود) في تعليقه على ديوان أبي تمام فإنّه قال: هي واقعة حرب معروفة. ولنا حول ذلك بحثٌ ضاف تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إنشاء الله.

العناية بحديث الغدير

كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه أشداق الرواة، حتى يكون حجَّة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير عند منصرف نبيِّه صلى الله عليه وآله من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفَّةٌ به، فردّ المتقدّم، وجعجع بالمتأخّر، وأسمع الجميع(1) وأمر بتبليغ الشاهد الغايب ليكونوا كلهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة ألف ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة تُتلامع مرّ الجديدين بكرةً وعشيّاً، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، وليعرفوا رُشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.

ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم صلى الله عليه وآله حيث استنفر أُمم الناس للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثباً ثباً، وكراديس كراديس، وهو صلى الله عليه وآله يعلم أنه سوف يبلّغهم في منتهى سفره نبأً عظيماً، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به أمّته الأُمم، ويدبّ ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها(2) ولكن...

_____________________

1 - روى النسائي في إحدى طرق حديث الغدير عن زيد بن أرقم في الخصايص ص 21 وفيه: قال أبو الطفيل: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: وإنه ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه. وصححه الذهبي كما في تاريخ ابن كثير الشامي ج 5 ص 208، وفي مناقب الخوارزمي في أحد أحاديث الغدير ص 94: ينادي رسول الله بأعلى صوته، وقال ابن الجوزي في المناقب: كان معه صلى الله عليه وآله من الصحابة ومن الأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفا وهم الذين شهدوا معه حجة الوداع وسمعوا منه هذه المقالة.

2 - أخرج أحمد في مسنده 1 ص 109 عن زيد بن يثيع عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: وأن تؤمروا عليا رضي الله عنه ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديّا يأخذ بكم الطريق المستقيم. وروى الخطيب البغدادي في تاريخه ج 1 ص 47 بإسناده عن حذيفة في حديث حرف صدره وزيد عليه عن النبي صلى الله عليه وآله: وإن وليتموها (الخلافة) عليّا وجدتموه هاديا مهديا يسلك بكم على الطريق المستقيم =