مقدّمة
هو حركةُ الشيء في محيطه خلال الزمان.
وبعبارةٍ أخرى، التاريخ:
هو عمليةُ التحوّل والتغيّر والانتقال (الصيرورة) من حالةٍ إلى حالة، التي تعتري الشيء أو يُنجزها الشّيء من خلال علاقته بعناصر محيطة عبرَ الزّمان.
وقد كان الشيءُ في النظرة السائدة قديماً يعني الإنسان فقط، ويعني - بصورة محدّدة - الفعاليات الإنسانية: المجتمع والمؤسسات السياسيّة والعسكريّة والاجتماعية والثقافيّة.
لقد كان التاريخ علم حركة الإنسان من خلال محيطه في الزمان، ولكن العصر الحديث شهد تطوّراً في مدلول هذا المصطلح فاتّسع ليشمل كلّ شيء في الطبيعة والحضارة: الأرض، والمعادن، والنباتات، والحيوان، والأفكار، والعلوم.. وغير ذلك إِلى جانب الفعاليات الإنسانيّة، وغدا في وُسْع المؤرِّخ ذي النظرة الشاملة أنْ يدّعي أنّ التاريخ كالفلسفة ذو موضوع شامل لكلّ ما يمكن أنْ يدخل في الوعي البشري.
ولعلّ بعض المؤرِّخين المسلمين العظام كانوا قد انتهوا في تفكيرهم إِلى حافّة هذه النظرة التي تُعطي التاريخ مفهوماً شاملاً يتجاوز الفعالياتِ الإنسانيّة، فنلاحظ أنَّهم أدخلوا في كتاباتهم التاريخيّة معلوماتٍ جغرافيّة أو فلسفيّة، والمسعوديُّ في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر) مثال بارز على ذلك.
ولكن هذه النظرة الشمولية لا تعنينا هنا. إنَّ عِنايتنا موجّهة نحو تاريخ الإنسان. وربّما أمكن ردّ كلّ فروع التاريخ الأخرى - في النظرة الشموليّة الحديثة - إلى تاريخ الإنسان، من حيث إنّها تؤرِّخ لبعض نشاطاته: (تاريخ العلوم، الفنون والآداب، الفلسفة) أو تؤرّخ لبيئته: (النبات، الحيوان، طبقات الأرض) .