إنَّها سكرة الحبّ، وسرَف المغالاة. قد أعمت الأهواء بصاير اولئك الرّجال فجاؤا بهذه المخاريق المخزية، والأفائك المزخرفة، بيَّتوها غير مكترثين لمغبّة صنيعهم، و لا متحاشين عن معرَّة قيلهم، وشتّان بينها وبين أدب الدين، أدب العلم، أدب التأليف، أدب العفّة، أدب الدعاية والنشر. إنَّهم ليقولون منكراً من القول وزوراً، ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيِّتون ما لا يرضى من القول.
كأنَّ هؤلاء يحدِّثون عن اُمَّة بائدة لم يُبق لها الملوان مَن يشاهده أحدٌ من الأجيال الحاضرة، أوَ ليست الشيعة هؤلاء الذين هم مبثوثون في أرجاء العالم وأجواء الاُمم، يشاهدهم كلُّ ذي بصر وبصيرة أحياءً وأمواتاً؟ فمن ذا الذي شهد أحدهم أنّه انقلب عند موته خنزيراً غير اولئك الشبّان الموهومين الذين شاهدوا ابن منير في قبره؟ وهل الشيخ عليا المالكي هو وجد أحداً من الشيعة كما وصفه؟ أو رُوي له ذلك الإفك فوثق به كما وثق العبيدي؟ وهل كان يمكنه أن يقف على الموتى جميعاً أو أكثرهم وليس هو بمغسِّل الموتى أو من حفَّاري القبور ولا مِن نبّاشيها؟
على أنَّ التشيُّع ليس من ولائد تلكم العصور وإنَّما بدء به منذ العهد النبويِّ، فهل كان السلف الشيعيُّ من الصحابة والتابعين يموتون كذلك وكان فيهم مَن يعرف بالتشيُّع كأبي ذر وسلمان وعمّار والمقداد وأبي الطفيل؟ فهل يسحب هذا الرجل ذيل مزعمته الى ساحة أولئك الأعاظم؟ قطعت جهيزة قول كلِّ خطيب(١) .
- ١٠ -
أبو بكر شيخٌ يُعرف، والنبيُّ شابٌّ لا يُعرف
عن أنس بن مالك قال: أقبل النبيُّصلىاللهعليهوآلهوسلم الى المدينة، وأبو بكر شيخٌ يُعرف والنبيُّصلىاللهعليهوآلهوسلم شابٌّ لا يُعرف فيلقى الرجل أبا بكر(٢) فيقول: يا أبا بكر! مَن هذا الذي بين يديك؟ فيقول: يهديني السبيل، فيحسب الحاسب انَّه يهديه الطريق وإنّما يعني سبيل الخير.
____________________
١ - مثل يضرب لمن يقطع على الناس ماهم فيه بحماقة يأتي بها.
٢ - فى الانتقال من بنى عمرو. كذا قاله القسطلانى فى ارشاد السارى ٦ ص ٢١٤ وبنو عمرو ابن عوف هم من الانصار النازلين بقباء كان قد نزل عليهم رسول الله صلى الله عليه و آله فى هجرته الى المدينة كما يأتى تفصيله.