25%

التفكير فيه، حينئذ تصبح هذه العملية أهم نشاط من نشاطات الإنسان. إنّ النُظُم ذات الجانب التربوي، سواء تلك التي تُعنى بالمسائل التربويّة الخاصّة، أو التي تهتمّ بحياة الإنسان عموماً لا تؤثِّر في نموّ الإنسان، وتطوّره، إلاّ اذا ركّزت على تربية قوّة التفكير، والوعي فيه، ونظرت إليه على أنّه في تطوّر وتكامل متواصلين.

مقارنة الإسلام مع النُظُم القائمة في الشرق والغرب

إنّ بعض النُظُم الفكرية، مع أنّها تُولي أهمية لعلاقات الإنسان مع الكون، ومع بني جنسه، وتتّخذ من هذه العلاقات ركيزةً لمبادئها وأُسسها، بَيْدَ أنّها تقوِّم الإنسان، سواء في حياته الفردية، أو الاجتماعية، على أنّه نتاج بيئته، ولا تُؤْمن بأيّ دور لوعيه في النموّ والتطوّر.

وهذا خلل، كما أنّ - هناك - خللاً آخر في تلك النُظُم، وهو قصور نظرتها في موقفها من المسائل المختلفة، وقد ينعكس هذا التصور في فهمها لماهيّة الإنسان وهويّته. إنّها لا تأخذ في حسابها الجوانب المختلفة في شخصيّة الإنسان، حيث يرى بعضها أنّ الجانب البيولوجي، أو الفسيولوجي، هو محور سلوك الإنسان، في حين يرى بعضها الآخر أنّ الجانب الاجتماعي هو المحور. فكلاهما يقيِّد الإنسان في نطاق النشاطات البدنية، أو الاجتماعية، ويصادر قدرته الروحية في موقفه من المسائل المختلفة. فأنصار الجانب البيولوجي، يضعون الإنسان في مصاف الحيوانات - على نحو الإرغام - ويستعينون بمشاهداتهم لسلوك الحيوانات، من أجل شرح سلوكه، وتبيانه. أمّا أنصار الجانب الاجتماعي، فيحصرون دائرة نشاطه في المجال الاجتماعي، إذ يرَوْن سلوكه انعكاساً لما يتعلّمه من المجتمع، غافلين عن أنّ الإنسان عضو يعيش في الجماعة، والحياة الجماعية لا تسلب منه شخصيّته الفردية واستقلاله. إنّ كلا الفريقين ينكر جانب الإبداع الكامن في الإنسان، أو أنّهما يتعثّران عند الحديث حول هذا الجانب، وكذلك يُلغِيان دور الإنسان في توجيه نفسه وإرشادها.