يتبع الجزء السابع
أبو طالب في الذكر الحكيم
لقد أغرق القوم نزعاً في الوقيعة والتحامل على بطل الاسلام والمسلم الأوَّل بعد ولده البارّ، وناصر دين الله الوحيد، فلم يقنعهم ما اختلقوها من الأقاصيص حتى عمدوا إلى كتاب الله فحرَّفوا الكلم عن مواضعه، فافتعلوا في آيات ثلاث أقاويل نأت عن الصدق، وبعدت عن الحقيقة بُعد المشرقين، وهي عمدة ما استند إليه القوم في عدم تسليم إيمان أبي طالب، فإليك البيان:
(الآية الأولى)
قوله تعالى:( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) . «سورة الأنعام آية ٢٦»
أخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمّن سمع ابن عبّاس أنَّه قال: إنَّها نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤذى، وينأى أن يدخل في الاسلام(١) .
وقال القرطبي: هو عامٌّ في جميع الكفّار أي ينهون عن إتِّباع محمّد عليه السلام وينأون عنه، عن ابن عبّاس والحسن. وقيل هو خاصٌّ بأبي طالب ينهى الكفار عن أذاية محمَّد عليه السلام ويتباعد من الإيمان به، عن ابن عباس أيضاً. روى أهل السير قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى الكعبة يوماً وأراد أن يصلّي، فلمّا دخل في الصّلاة قال أبو جهل - لعنه الله -: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثاً ودماً فلطّخ به وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم فانفتل النبيُّ صلى الله عليه وسلم من صلاته، ثمَّ أتى أبا طالب عمَّه فقال: يا عمّ ألا ترى إلى ما فُعل بي؟ فقال أبو طالب: من فَعل هذا بك؟ فقال
____________________
١ - طبقات ابن سعد ١ ص ١٠٥، تاريخ الطبري ٧: ١١٠، تفسير ابن كثير ٢: ١٢٧، الكشاف ١: ٤٤٨، تفسير ابن جزي ٢: ٦، تفسير الخازن ٢: ١١.