ما في كتاب الله سورة ولا آية إلّا وأنا أعلم فيم اُنزلت ومتى نزلت. قال أبو وائل: فما سمعت أحداً أنكر ذلك عليه.
أخرجه الشيخان والنسائي كما في تيسير الوصول ٣: ٢٧٩، وأبو عمر في الاستيعاب ١: ٣٧٢، وذكره اليافعي في مرآته ١: ٨٧.
وهذا علمه وهديه وسمته وصلاحه وزلفته إلى نبيِّ العظمةصلىاللهعليهوآلهوسلم ، أضف إلى ذلك كلّه سابقته في الإسلام وهو سادس ستة، وهجرته إلى الحبشة ثمَّ إلى المدينة، وشهوده بدراً ومشاهد النبيِّصلىاللهعليهوآلهوسلم كلّها، وهو أحد العشرة المبشَّرة بالجنَّة كما في رواية أبي عمر في الإستيعاب، ولعلّك لا تشكُّ بعد سيرك الحثيث في غضون السيرة والتاريخ في أنَّه لم يكن له دؤب إلّا على نشر علم القرآن وسنَّة الرسول وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل، وتثبيت القلوب، وشدِّ أزر الدين، في كلّ ذلك هو شبيه رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم في هديه و سمته ودلِّه، فلا تجد فيه مغمزاً لغامز، ولا محلاًّ للمز لامز، وقد بعثه عمر إلى الكوفة ليعلّمهم اُمور دينهم، وبعث عمّاراً أميراً وكتب إليهم: إنَّهما من النجباء من أصحاب محمَّد من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي(١) وقد سمعت ثناء أهل الكوفة عليه بقولهم: جُزيت خيراً، فلقد علّمت جاهلنا وثبَّتَ عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقَّهتنا في الدين، فنعم أخو الإسلام أنت ونعم الخليل.
كان إبن مسعود أوَّل من جهر بالقرآن بمكّة، إجتمع يوماً أصحاب رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قطّ، فمن رجلٌ يسمعهموه؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا. قالوا: إنّا نخشاهم عليك، إنَّما نريد رجلاً له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإنَّ الله سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتّى أتى المقام في الضحى، وقريشٌ في أنديتها، حتّى قام عند المقام ثمَّ قرأ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم. رافعاً بها صوته. ألرحمن علّم القرآن. قال: ثمَّ استقبلها يقرؤها. قال: وتأمَّلوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن اُم عبد؟ قال: ثمَّ قالوا: إنَّه ليتلو بعض ما جاء به محمَّدصلىاللهعليهوآلهوسلم فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتّى بلغ منها ما شاء
____________________
١ - الاستيعاب ١: ٣٧٣، ج ٢ ٤٣٦، الاصابة ٢: ٣٦٩.