4%

هذه بلايا تمنَّتها يد الغلو في الفضائل، مُنيت بها الاُمَّة، وطمست تحت أطباقها حقايق العلم والدين، وانطمست بها انوار الهداية، وستعرف انّها روايات مختلقة زيَّفتها نظّارة التنقيب ولا يصحّ منها شيءٌ، غير أنَّ المفتي دحلان على مطمار قومه أرسلها إرسال المسلّم، وموَّهها على أغرار الملأ الدينيِّ، ولا يجد عن سردها منتدحاً، ذلك مبلغهم من العلم إن هم إلّا يظنّون، ولا تقف ما ليس لك به علمٌ إنَّ السمع والبصر والفؤاد كلّ اولئك كان عنه مسؤولا.

(الفتنة الكبرى)

واقرأ صحيفة من « الفتنة الكبرى » للدكتور طه حسين قال في بدء كتابه. هذا حديثٌ اُريد أن اُخلّصه للحقِّ ما وسعني إخلاصه للحقِّ وحده، وأن أتحرّى فيه الصواب ما استطعت إلى تحرّي الصواب سبيلا، وأن أحمل نفسي فيه على الإنصاف لا أحيد عنه ولا امالئ فيه حزباً من أحزاب المسلمين على حزب، ولا اُشايع فيه فريقاً من الذين اختصموا في قضيَّة عثمان دون فريق، فلست عثمانيَّ الهوى، ولست شيعة لعليّ، و لست أفكّر في هذه القضيَّة كما كان يفكّر فيها الذين حاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.

وأنا أعلم أنَّ الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضيَّة إلى الآن كما كانوا ينقسمون فيها أيّام عثمان رحمه الله، فمنهم العثمانيُّ الذي لا يعدل بعثمان أحداً من أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الشيخين، ومنهم الشيعيُّ الذي لا يعدل بعليّ رحمه الله بعد النبيِّ أحداً لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقارا، ومنهم من يتردَّد بين هذا وذاك يقتصد في عثمانيَّته شيئاً، أو يقتصد في تشيّعه لعليّ شيئاً، فيعرف لأصحاب النبيِّ مكانتهم ويعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثمَّ لا يفضِّل بعد ذلك أحداً منهم على الآخر يرى انَّهم جميعاً قد اجتهدوا ونصحوا لِلَّه ولرسوله وللمسلمين، فأخطأ منهم من أخطأ وأصاب منهم من أصاب، ولأولئك وهؤلاء أجرهم لأنَّهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا إلى إساءة، وكلّ هؤلاء إنَّما يرون آراءهم هذه يستمسكون بها ويذودون عنها و يتفانون في سبيلها، لأنَّهم يفكّرون في هذه القضيَّة تفكيراً دينيّاً، يصدرون فيه عن الايمان، ويبتغون به ما يبتغي المؤمن من المحافظة على دينه والإستمساك بيقينه وابتغاء