ثلاثمائة آية كما يقوله حبر الاُمَّة عبد الله بن العباس(١) أو أنّه كان يمرُّ بها على حين غفلة من مفادها؟ أو يمرُّ بها وقد بلغ منه اللغوب من كثرة التلاوة فلا يلتفت اليها؟ أو أنَّه كان يرتِّلها ملتفتاً إلى مغازيها؟ ولكن...
أنا لا أدري بماذا يُعلّل قوارص الخليفة عليّاًعليهالسلام إبنا حجر وكثير وأمثالهما المعلّلون أقوال الخليفة وأفعاله في مثل أبي ذر وابن مسعود ومالك الأشتر، بانَّ مصلحة بقائهم في الأوساط الإسلاميَّة مع الحريَّة في المقال لا تكافئ المفسدة المترتَّبة عليه من سقوط اُبَّهة الخلافة. على انَّه ما كان عند القوم إلّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهل يجرُّهم الحبُّ المعمي والمصمُّ إلى أن يقولوا بمثل ذلك في حقِّ عظيم الدنيا والدين مولانا أمير المؤمنينعليهالسلام ؟ فهل كانت مفسدة هنا لك مترتّبة على مقام الإمام في المدينة حتى يكون نفيه عنها أولى؟ وهل هو إلّا الصلاح كلّه؟وهل المصالح النوعي َّ ة والفرديَّة يُستقى من غيره؟ ولعمر الحقِّ انَّ اُبّهة تسقط لمكان أمير المؤمنينعليهالسلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لحريَّةٌ بالسقوط، وأيم الله لو وسع اُولئك المـُدافِعون عن تلكم العظائم لدنَّسوا ساحَة قُدس الإمام بالفرية الشائِنة، واتَّهموه بمثل ما اتَّهموا به غيره من صُلَحاء الاُمَّة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولكن...
ولو كان الخليفة يعير لنصائح الإمامعليهالسلام اُذناً واعية لصانه عن المهالك، ولم تزل الاُبَّهة مصونة له، والعزُّ والنجاح ذخراً له ولأهل الإسلام، وكان خيراً له من ركوبه النها بير التي جرَّعته الغصص و أودت به وجرَّت الويلات على الاُمَّة حتى اليوم، ولكنَّه...
لا جرم انَّ الله يعلم ما يسرُّون و مايعلنون، إنَّ هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يوماً ثقيلا.
_٤٣_
تسيير الخليفة صلحاء الكوفة إلى الشام
روى البلاذري عن عبّاس بن هشام بن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال: لَمّا
____________________
١ - راجع ما مرّ في الجزء الاول ص ٣٣٤ ط ٢.