جمع القرآن وشبهة التحريف
إنّ موضوع جمع القرآن من الموضوعات التي أُثيرت حولها الشبهات، ودُسَّت فيها الروايات، وتذرّع بها القائلون بالتحريف فزعموا أنّ في القرآن تحريفاً وتغييراً، وأنّ كيفية جمعه بعد رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم مستلزمةٌ في العادة لوقوع هذا التحريف والتغيير فيه، حيثُ إنّ العادة تقتضي فوات شيءٍ منه على المتصدّي لذلك إذا كان غير معصوم.
قال الرافعي: « ذهب جماعة من أهل الكلام ممّن لا صناعة لهم إلاّ الظنّ والتأويل واستخراج الأساليب الجدلية من كلِّ حكمٍ ومن كلِّ قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيءٌ حملاً على ما وصفوه من كيفية جمعه »(١) .
إنّ امتداد زمان جمع القرآن إلى ما بعد حروب اليمامة، كما نطقت به الروايات، وتضارب الأخبار الواصفة لطريقة جمعه، أثارا الشبهة لدى الكثيرين، فعن الثوري أنّه قال: « بلغنا أنّ أُناساً من أصحاب النبيصلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا يقرأون القرآن، أُصيبوا يوم مسيلمة، فذهبت حروف من القرآن »(٢) .
إنّ حقيقة جمع القرآن في عهد الرسول الأكرمصلىاللهعليهوآلهوسلم تُعدّ من الحقائق التاريخية الناصعة، التي لا تحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء وإثارة الشبهات، وتعدّ أيضاً ضرورةً ثابتةً تاريخياً دامغةً لكلّ الأقاويل والشبهات، ولكل ما دُسّ من الأخبار والروايات حول هذه المسألة.
__________________
(١) اعجاز القرآن: ٤١.
(٢) الدر المنثور ٥: ١٧٩.