16%

الفصل الأول

(موقف المسلمين بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله )

كانت وفاة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله صدمة للمسلمين عاطفية، فقد ذهب الموت بأعزّ الناس عليهم وأحبّهم إليهم وأملكهم لقلوبهم وأقربهم إلى نفوسهم يصبحون عليه حين يصبحون فلا يفارقونه حتى يفارقهم هو، للراحة أو للنوم أو للوحي.

وسياسية إذ كان النبي هو الّذي يتولّى حلّ المشاكل والخلافات الّتي تعرض لهم يوميّاً، في السلم والحرب، وفي سائر شؤون الحياة، وما تفرض من اتصال وعلاقات دائمة لا تخلو ممّا يشوب ويكدر أحياناً.

وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ملاذاً وموئلاً يرجعون إليه في كل ذلك. يحكم فلا يتّهم في حكمه، ويرى فيمضي رأيه في غير حرج ولا إكراه. فهو رسول الله وصاحب الوحي، قوله وفعله سنّة، وفيه اجتمع الدّين والدّنيا.

وكانت تثور بين المسلمين، مهاجرين وأنصاراً، في المدينة بعض الخلافات الّتي استطاع النبيّ بحكمته، أن يلطّف من حدّتها ويحصرها في أضيق دائرة يمكن أن تحصر فيها، رغم اختلاف النسب وقوّة العصبية، ثم ما تولّده المعيشة المشتركة بين أصحاب الدار (المدينة) من الأنصار وبين المهاجرين إليها، من أسباب جديدة للنزاع الدائم، مهما بالغنا في تنزيه المسلمين بطرفيهم ورفعناهم إلى فوق مستوى الناس.

وبين المهاجرين أنفسهم كان وجود النبي مانعاً لظهور خلافاتهم، وقد أقول كتلهم بشكل سافر، وإن كنت لا تعدم حتى مع وجوده بعض ما يشعرك بها.

ولكي تكون صورة ما جرى بعد وفاة النبي واضحة؛ أرى من الضروري أن أعود إلى الوراء: إلى الفترة الّتي تمّ فيها فتح مكّة. فقد كان هذا حدثاً كبيراً بالنسبة للمسلمين ولقريش في نفس الوقت. فإذا كان فتح مكّة يمثّل بداية عهد جديد للإسلام في قوّته وسيره وانتشاره، فأنّه على العكس كان يحمل نذير شر لقريش بانقضاء أملها في التصدّي للإسلام ووقف اندفاعه. وبهزيمتها المؤكّدة في أيّة مواجهة مقبلة معه، إن هي أقدمت على هذه المواجهة أو فكّرت فيها.