« يا أبا جندل ، اصبر واحتسب ، فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا ، وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم ».
وانتهت جلسة المفاوضات ، وتمّ التوقيع على نسختي الميثاق ، وعاد سهيل ورفاقه إلى مكة ، ومعهم « أبو جندل » ابن سهيل في جوار مكرز وحويطب ، ونحر رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان معه من الهدي(١) في نفس ذلك المكان وحلق فنحر جماعة من المسلمين وحلقوا(٢) .
بعد أن فرغ رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم من عقد صلح الحديبية بينه وبين رءوس الشرك ، وبعد أن توقف في أرض الحديبية مدة ١٩ يوما عاد هو وأصحابه الى المدينة ، وعاد المشركون إلى مكة.
هذا وقد نشبت مشاجرات ومشادات كلامية حين تنظيم ذلك الميثاق وكتابته ، بين أصحاب النبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم ، فمنهم من كان يعتبر ذلك الصلح في صالح الاسلام ، وقليل منهم كان يعدّه مضرا بمصلحة الاسلام والمسلمين.
ولقد انقضى الآن أكثر من أربعة عشر قرنا على عقد ذلك الصلح التاريخي العظيم فلندرس معا تلك المعاهدة بموضوعية وتجرد ، ونستعرض طرفا من تلك الاعتراضات والمجادلات لنقف على معطيات تلك العملية ، ونتائجها.
ان الذي نراه هو : ان هذا الصلح كان في صالح الاسلام مائة بالمائة ، وانه هو الذي جعل أمر انتصار الاسلام قطعيّا ،
__________________
(١) أي الابل التي ساقها معه.
(٢) تاريخ الطبري : ج ٢ ص ٢٨١ ، بحار الأنوار : ج ٢٠ ص ٣٥٣ ، السيرة النبوية : ج ٢ ص ٣١٨. امتاع الاسماع : ج ١ ص ٣٩٤ و ٣٩٥.