الإعجاز العلمي عند الإمام الصادق عليه السلام

الإعجاز العلمي عند الإمام الصادق عليه السلام

الكتاب: الإعجاز العلمي عند الإمام الصادق عليه السلام.
المؤلّف: السيّد إبراهيم سرور.
الناشر: مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت.
الطبعة: الأولى ـ سنة 1431 هـ / 2010 م.
 

القديم الجديد
ما تزال معارف النبيّ ومعارف أوصيائِه صلوات الله عليه وعليهم تستأثر باهتمام العلماء والمفكّرين، فيَرَون فيها في كلّ زمان آفاقاً جديدة تتفتّق لهم عن علومٍ بِكْر ومفاهيم متألّقة، حَرِيٌّ بهذه الأمّة أن تأخذ بها وتفتخر بين الشعوب بها. ولكنّ المؤسف حقّاً أنّ الأمّة ما تزال تعيش بين إعجابها بالحضارة الحديثة مبهورةً ببريقها الخادع رغم ما جاءت به من النكبات على الإنسانيّة، وبين ازدرائها للحضارة الإسلاميّة رغم ما احتوت عليه من أسباب التوفيق والسعادة.
ومع ذلك، فإنّ أهل الإنصاف والعقل والموعيّة جَدّوا في كثيرٍ من المواقع الزمانيّة والمكانيّة في الولوج إلى مواطن من عالم النور الإلهيّ الذي فتحه لنا رسول الله وأئمّة الهدى في مجالات الحياة والدين والإنسانيّة والعلوم الطبيعيّة، وكان منها ( توحيد المفضَّل ) ذلك الكتاب القيّم الذي أملاه الإمام جعفر الصادق عليه السلام على تلميذه النابه المفضَّل بن عمر، فدوّنه ولم يبلغ أبعاده، لكنّه نقله ورواه ووضعه أمام الأبصار والبصائر، والعقول والضمائر، ليبلغوا به درجات الإيمان والمعرفة، ثمّ ليعلموا أنّ العلم الحقيقي إنما هو عند بيت الوحي والرسالة، حيث خزائن العلم الإلهي، ومتى ما وجد أهل هذا البيت القدسي مصلحةً أو حاجة بثّوا من تلك الخزائن بعض الأسرار ما ينتفع بها الناس ويهتدون.
وإذا كان بعض المتعصّبين يتحرّجون من التعرّف على شيءٍ من علوم الإمام الصادق عليه السلام في الفقه والتاريخ والكيمياء والفيزياء والكلام والطبّ والفلك، وغيرها، بسبب التعصّب المذهبي، فإنّ علماء الغرب كانت لهم دراسات معمّقة لبعض مآثر الإمام الصادق عليه السلام، نَشَر مركز الدراسات الإسلاميّة في ستراسبورك جزءاً منها في ( 470 ) صفحة، اشترك فيها ( 23 ) عالماً من جامعات: أمريكا وفرنسا وإيطاليا وانجلترا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا، وبلدان غربيّة أخرى.
ويبقى ( توحيد المفضَّل ) كتاباً يجمع معارف كثيرة، بعضها عقائديّة، وبعضها الآخر علومٌ إنسانيّة وعلوم طبيعيّة، وأخرى كونية.. وذلك ما بهر العلماء ولم يفهموا كيف يكون لرجلٍ كلُّ هذا الإلمام والعمق والغور في أسرار الوجود وهو يعيش في ذلك العصر الذي كان محدوداً في تجاربه واطّلاعاته العلميّة، اللهم إلاّ أن يكون رجلاً إلهيّاً قد اتّصل بالغيب وعَلِم ما لم ولن يعلمه الآخرون، وكان ذلك أحدَ دلالات اعتقاد المنصفين أنّه وليّ الله، وحجّة الله، وإمام زمانه، وأنّه الصادق المصدَّق، ومَن أَولى أن يُتبَّع ويُهتدى به في شؤون الحياة الدنيا والحياة الأخرى.
 

أمّا الكتاب
فقد تقدّمه السيّد المؤلّف بتعريفٍ مختصر للإمام الصادق عليه السلام أنّه فقيه ومتشرّع، وطبيبٌ وعالمُ تشريح، وفيزيائي وكيميائي، وعالم اجتماع وأديب، ومؤلّف ومدوّن، وجغرافي ومصحّح حدود، وصاحب آراء.
ونحن نقول: الصادق جعفر بن محمّد.. حفيد رسول الله وأمير المؤمنين والزهراء، صلوات الله عليهم هو أكبر من هذا، بل هو أسمى وأعظم من أن يُعرَّف بهذا، اَللهمّ إلاّ إذا أردنا مخاطبة الآخرين في حدود دائرتهم وتصوّرهم، فهو إمامٌ معيَّن مِن قِبَل الله تعالى، ووصيٌّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله بُلِّغ به اسماً ولقباً، وهو وريث بيت النبوّة والوحي والرسالة، ووريث الأنبياء والمرسلين سلام الله عليهم أجمعين، فالعلوم منقادةٌ إليه، حاضرة لديه.
وقد جاء السيد إبراهيم بأقوال في الثناء على الإمام الصادق عليه السلام والتعريف به سمّاها أقوالاً ذهبيّة، منها كلمة الأديب سليمان كتاني حيث قال: إنّ العقل الذي تمسّح به الإمام الصادق، هو من الصنف الفريد الهابط من الشوق الفريد المتحلّي بإرادةٍ جليلةٍ ملتهبةٍ بالحق والعزم وروعات القضيّة، إنّه التوجيه الخارق مسح به الإمام زين العابدين عقل حفيده الإمام جعفر الصادق... إنّه لا يجوز للإمام الصادق إلاّ أن يبقى حيّاً، كما وأنّ كلَّ ما هو حقٌ وخيرٌ ومَنبتُ علمٍ لا يجوز أن يصمت ويغفو.. وإلاّ فإنّ الدنيا كلّها ستخسر قيمة الجوهر. ( من كتابه: الإمام الصادق ضمير المعادلات:116 و 156 ـ ط دار الهادي ).
 

ثمّ التمهيد
وقد جاء فيه قول السيّد المؤلّف: تواترت الروايات التي تتحدّث حول إحاطة الإمام الصادق عليه السلام بشتّى العلوم والفنون، لا سيّما وأنّ عصره في النصف الأوّل من القرن الهجري الثاني كان يُعرَف بـ ( عصر النهضة العلمية )، وقد أنجز الإمام الصادق مشاريع عديدة، بعضها:
ـ مجابهة التيّارات المنحرفة ومقارعتها بالحجج العلميّة.
ـ مقابلة الانحراف الفكري الذي ساد المسلمين.
ـ مواجهة ظاهرة الغلوّ.
ـ تربية جيل من العلماء والفقهاء بدراسة العلوم المختلفة: العقائدية والفقهيّة، وعلومٍ كثيرة متفرّقة.
حتّى أنّ الإمام الصادق عليه السلام لم يترك باباً من العلوم إلاّ فتحه ويسّر طريقه وأوضح مبادئه وأُسسه، فوجّه القلوب إلى أسرار علوم الكون والعلوم الحديثة من الفيزياء والكيمياء، ما يمهّد للبشر انتاجاً أكثر في مدّةٍ أقصر، وهيّأ عليه السلام كلَّ وسائل الراحة والتمدّن. وإذا كان الغرب قد استفاد من هذه النظريّات العلميّة وطبّقها، فإنّ جوانب أخرى من علومه عليه السلام ما زال علماء الغرب لم يتوصّلوا إلى فهمها، بسبب بُعد التعامل الديني والإيماني عن ساحتهم.
وهذا ما تركه الإمام لعلماء أمته الذين يأتون في آخر الزمان فيستخرجون لآلئَ تلك الأنوار وكنوزها، وليستضيئوا بشعاعها.. فلا فقرَ ولا حرمان، ولا أمراضَ ولا مآسي، ولا ضياعَ ولا سحقَ حقوق، ولا انسلاخَ عن الإنسانيّة، ولا جهلَ ولا فجائع، ولا تجرّدَ عن الأخلاق، ولا أسلحة تُهلك الحرث والنسل وتجرّ الويلات.
نعم، إنّ أولياء الله جاؤوا رحمةً للناس، وتلك العلوم التي أفاضوها باطنُها فيها الرحمة، وظاهرها خدمة الإنسانية.
 

بعد ذلك
هذه العناوين تحكي مواضيع عديدة، وجديدة:
ـ الملامح العلميّ لشخصيّة الإمام الصادق عليه السلام، علم الفلك.
ـ جامعة الإمام المثلّثة.. جامعة كبرى.
ـ الإمام الصادق عليه السلام مُلهِم الكيمياء.. أهميّة الكيمياء، عناصر علم الكيمياء، ترجمة جابر بن حيّان، أعمال جابر بن حيّان...
ـ من هو أوّل من اكتشف الأوكسجين ؟!
ـ نظرية الصادق عليه السلام بشأن أشعّة النجوم.
ـ نظريّة الإمام الصادق عليه السلام في الضوء.
ـ النور في كلام الإمام الصادق عليه السلام.
ـ الكون كتاب الله المنظور، تقدير الخَلْق في علم الله تعالى، نظرية نشوء الكون عند الإمام الصادق عليه السلام، الانفجار الكوني.
ـ البُعد الزمني في كلام الإمام الصادق عليه السلام.
ـ نسبيّة الزمن عند الإمام الصادق عليه السلام.
ـ القمر في كلام الإمام الصادق عليه السلام.
ـ بحوث حول: الشمس، السماء..
ـ الماء عند الإمام الصادق عليه السلام.
ـ طبيعة الأرض في كلام الإمام الصادق عليه السلام.
ـ الزلازل في كلام الإمام الصادق عليه السلام.
ـ الأمطار في كلام الإمام الصادق عليه السلام.
ـ بحوث في: عمليّة التبخّر، الهواء، الرياح، البحار، المآرب.
 

جوانب عديدة
تكفّل بها هذا الكتاب، منها: عقائديّة، وأخرى فكريّة وعلميّة، ومنها دراسات تخصّصيّة، مشفوعةً بشواهد تاريخيّة وروائيّة، ونظريّات حديثة في مجالاتٍ متعدّدةٍ مواكبةٍ لما ورد من إشارات معرفيّة في حديث الإمام الصادق عليه السلام للمفضَّل بن عمر، وقد جاء حديثه عليه السلام كتاباً علميّاً يردّ على تشكيكات الدهريّين وضلالاتهم، محتوياً على حِكمٍ وأسرار وعلومٍ شتّى أخرست المتشدّقين بالعلم وألجمَتْهم، وثبّتت لأهل الإيمان وسائلَ الاحتجاج العلمي وأساليبَه المُبرهَنة ودلائلَه المحكمة.
وإذا كان كتاب ( الإعجاز العلميّ للإمام الصادق عليه السلام ) كتاباً نافعاً، فقد سبقه ( كتاب فكّر ـ المعروف بـ: توحيد المفضل، وبذيله شروح وتعليقات العلاّمة المجلسي، بتحقيق: الشيخ قيس العطّار، ونشر مكتبة العلاّمة المجلسي ـ ط 1 سنة 1427 هـ )، فيكون الكتابان متكاملَين مع بعضهما في المقدّمات والتحقيقات والعناوين والبيانات.
وفّق الله جهود المخلصين، وبارك فيها في خدمة الدين، والحمد لله ربّ العالمين.