شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

في معاني الاسم الشريف « فاطمة »

0 المشاركات 00.0 / 5
 أرى لزاما على أن أحرر في هذه الخصيصة معنى الاسم المبارك « فاطمة » وعلة التسمية ، وستنكشف بذلك علوم ومطالب عالية ، والأفضل أن أبدأ بمقدمة فأقول : فاطمة مشتق من فطم ، قال صاحب مجمع البحرين : الفطيم ككريم هو الذي انتهت مدة رضاعه ، يقال : فطمت الرضيع فصلته عن الرضاع ، ويجمع الفطيم على فطم - بضمتين - وهو قليل الاستعمال في العربية .

قال البوصيري :

والنفس كالطفل إن تهمله شب على       حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « ستحرصون على الإمارة ثم تكون حسرة وندامة ، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة » أي المفطومة .
وقال النبي ( صلى الله عليه وآله  ) أيضا : « خير أمتي من هدم شبابه في طاعة الله وفطم لذاته عن لذات الدنيا » .
وقد اقتبس البوصيري هذا المعنى من الحديث الشريف ونظمه في شعره المذكور .
قال الفيروزآبادي في القاموس : « أفطم السخلة : حان أن تفطم ، فإذا فطمت فهي فاطم ومفطومة وفطيم ، قال العرب : فطمت الأم صبيها أي قطعته عن اللبن وتم رضاعه ، وفطم يأتي لازما ومتعدي فالفطم والفطام : القطع ، وغالبا ما استعملت في أخبار الأئمة الأطهار وآثارهم بمعنى الانقطاع عن الدنيا ولذاتها .
وفي تفسير العسكري في معنى « فاطمة » : قال إن الله سبحانه سمى نفسه الفاطم ، يعني الفاطم أولياءه عن أعدائه في دخول الجنة والنار .
وفي حديث العلل : لما سأل الأعرابي الحسنين ( عليهما السلام ) وعبد الله وتحير الأعرابي من جودهما وعلو همتهما قال له عثمان : ومن لك بمثل هؤلاء الفتية ؟ أولئك فطموا العلم فطما وحازوا الخير والحكمة .
قال الصدوق ( رحمه الله ) : فطموا العلم أي قطعوه عن غيرهم قطعا ، وجمعوا لأنفسهم جمعا .
ولما كان اعتمادي في كتب اللغة على الصحاح والقاموس ، فسأنقل عبارة القاموس وفيها ما سبق وزيادة ، قال : فطمه يفطمه : قطعه ، والصبي فصله عن الرضاعة ، مفطوم وفطيم جمع ككتب والاسم ككتاب ، وناقة فاطم بلغ حوارها سنة ، وأفطم السخلة حان أن تفطم ، فإذا فطمت فهي فاطم ، ومفطومة ، وفطيمة ، وفاطمة عشرون صحابية ، والفواطم التي في الحديث : سيدة النساء فاطمة الزهراء وبنت أسد أم علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وبنت حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والثالثة بنت عتبة بنت ربيعة ، ولعل المراد بالثالثة غير فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وفيه نظر ، والفواطم اللاتي ولدن النبي : قرشية وقيسيتان وخزاعية وأزدية . انتهى ملخصا .
قال صاحب جنات الخلود : عدد الحرفين الأخرين من اسم فاطمة يساوي خمسة وأربعين ونصف الحروف الثلاثة الأول أيضا تساوي خمسة وأربعين ، وفي عدد النصف أثر ثابت كما أن في جمعه أثرا مقررا .
أقول : في عدد الحروف الثلاثة الأولى ( فاء ألف وطاء ) أيضا أثر خاص ، بل إن بعض أهل الخلوص والرياضة يواظبون مواظبة خاصة على العدد 45 و 90 و 135 في توسلاتهم بفاطمة الطاهرة ( عليها السلام ) ، وقد أثبتت لهم التجربة حصول المقصود .
ومنهم من قنع في الأدعية والصلوات المنسوبة للمحجوبة الكبرى بعدد حرف الطاء ، وهو تسعة - الواقع في وسط الاسم الشريف ، بل سمعت من بعض المرتاضين المخلصين من ذوي المحبة الشديدة أنهم يقسمون على الله بفقر فاطمة وآلها وطهارتها ومحبتها وهدايتها ، ويلحون بإصرار بهذه الحروف الخمسة مع التركيز لاستحضار ملكات السيدة وكمالاتها .
يوصي هذا الحقير - بدوره - بالمواظبة قدر الإمكان على الأعداد المذكور في الشدائد والبلايا ، على أمل أن أكتب - فيما بعد - مفصلا كل ما تعلمته وعملت به وجربته ورأيت فائدته وأثره في باب التوسل بفاطمة ( عليها السلام ) إن شاء الله تعالى .
عشرة وجوه في معنى فاطمة وسأذكر - عجالة - في هذا المقام عشرة وجوه لمعنى اسم « فاطمة » مما اتخذته من الأخبار المروية من كتب الخاصة والعامة .
الوجه الأول روى العلامة المجلسي ( رحمه الله ) في بحار الأنوار عن الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « سميت فاطمة لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله » .
وقد اتضح من هذا البيان أن الفخر بالنسب ليس فيه كثير فائدة للإنسان ، وإن الذي ينفعه حقا هو الفضل في الدين والشرف في الحسب وعلى ذلك كثير من الشواهد العقلية والنقلية .
منها : ومن قصر به علمه لم ينفعه حسبه .
وأيضا : لا حسب أبلغ من الأدب .
وايضا : حسب المرء دينه .
وأيضا : المؤمن يتبع على حسب دينه .
وقال النبي لقريش : ستأتون غدا يوم القيامة بأحسابكم لا بأنسابكم .
ونعم ما قيل : شرف المرء بالعلم والأدب لا بالأصل والنسب . نعم ، إذا اجتمعت الأصالة والنبالة في الأنساب مع الشرف والفخامة في الأحساب ، فهو شرف على شرف وفضيلة على فضيلة .
والمهم في الحديث التأكيد على دين فاطمة ( عليها السلام ) الذي كان في غاية الكمال وحسبها وفضلها في الحسب ثابت لا كلام فيه ، ومعنى الحديث أن فاطمة لا تقاس بسواها من النساء في الفضل والدين والحسب ، ولها فضل وشرف على الجميع كافة ، كما أن قوله ( صلى الله عليه وآله ) « إنها ليست كالآدميين » فيه دلالة على عموم الأفضلية .
الوجه الثاني روى في البحار - أيضا - قال : « سميت فاطمة لانقطاعها عن الفواطم التسعة » لأنهن ولدن في الكفر ، وولدت فاطمة في الإسلام ، ولها بذلك الفخر .
وهذا الخبر خاص بتفضيلها على الفواطم التسع ، بينما كان الخبر السابق عاما يشمل نساء زمانها أيضا ، وسيأتي في حديث معتبر أن أربعة كن سيدات عالمهن وأفضلهن عالما فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) .
الوجه الثالث روى الصدوق طاب ثراه في علل الشرائع عن الباقر ( عليه السلام ) مسندا ، قال : لما ولدت فاطمة ( عليها السلام ) أوحى الله عز وجل إلى ملك فانطلق به لسان محمد ( صلى الله عليه وآله و ) فسماها فاطمة ، ثم قال : إني فطمتك بالعلم وفطمتك عن الطمث .
ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : والله لقد فطمها الله تبارك وتعالى بالعلم وعن الطمث بالميثاق .
وإذا تأملت الحديث وجدت فيه مطالب أربعة : الأول : إن الملك أجرى اسم فاطمة على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
الثاني : كان فطام فاطمة بالعلم .
الثالث : إنها فطمت عن الطمث .
الرابع : يمين الإمام ( عليه السلام ) والميثاق يؤكدان وقوع ما أخبر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
أما المطلب الأول فقد تعرضنا له في الخصيصة السابقة .
وأما المطلب الثاني : فيدل صراحة على علم فاطمة ، والأفضل أن ننقل كلام المرحوم المجلسي في ذيل هذا الحديث ، قال : فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت ، وفطمت أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم ، أو جعلت فطامك من اللبن مقرونا بالعلم ، كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية ، وعلى التقادير كان الفاعل بمعنى المفعول كالدافق بمعنى المدفوق ، أو يقرء على بناء التفعيل ، أي جعلتك قاطعة الناس من الجهل ، أو المعنى : لما فطمها من الجهل فهي تفطم الناس منه ، والوجهان الأخيران يشكل إجراؤهما في قوله : فطمتك عن الطمث إلا بتكلف ، بأن يجعل الطمث كناية عن الأخلاق والأفعال الذميمة ، أو يقال على الثالث : لما فطمتك عن الأدناس الروحانية والجسمانية فأنت تفطم الناس عن الأدناس المعنوية ، انتهى كلامه ( رحمه الله ) .
بعد التشبث بذيل عنايات المرحوم المجلسي طاب ثراه فإن لي وجها آخر قد يكون وجيها في نظر أهل الخبر .
أولا : إن قوله « فسماها » و « ثم » متفرع على نزول الملك وإجراء اسم فاطمة على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فسماها ( صلى الله عليه وآله ) على حسب ما جرى من الملك على لسانه ، ومن ثم قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) « فطمتك بالعلم » أي بالعلم الأزلي الإلهي ، أو بعلمي السابق فطمتك عن سائر النساء بهذا الاسم ، يعني إني أعلم أنك فاطمة وأنك قطعت عن سائر النساء في كل شئ ، ولكني تريثت أنتظر الوحي لئلا يكون قد حصل بداء ; لأن هذا الملك قد أجرى الاسم على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالعلم القديم ، فالتفت وقال : إنك أنت فاطمة المقطوعة والمصطفاة على الفواطم التسعة ونساء عالمك بل نساء الأولين والآخرين ، وكان هذا في علمي فطمتك بما كنت أعلم .
ويفهم من عبارة « فطمتك عن الطمث » وتذييل الإمام بـ‍ « الميثاق » ، أن العهد والميثاق كان من اليوم الأول على طهارتك من كل الأدناس والأرجاس الظاهرة والباطنة .
وقوله : « بالعلم » قد يكون متعلقا بالعلم الإلهي أو بالعلم النبوي ، ولا مشاحة لإمكان الجمع بينهما .
ولا يمكن أن يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطم الطمث ولا فاطم فاطمة عن الفواطم وعن النساء ، بل كلاهما راجعان إلى الله تبارك وتعالى وهو الفاطر والفاطم ، وفاطمة الطاهرة ( عليها السلام ) هي المفطومة عن نساء العالمين وعن الطمث خاصة .
وذكر الطمث بعد الفطم عن النساء ذكر الخاص بعد العام ، فالفطام عن الطمث خاص والفطام بالعلم عن النساء عام ، والفطام عن الطمث أحد أفراد العام ، والعلم أحد أفراد العام ، وبعبارة أخرى فطمت فاطمة بالعلم الإلهي في جميع الكمالات خصوصا العلم ، وكان في علم الله أن فاطمة عالمة وجامعة لكل الكمالات الممدوحة ، وقد جعلها الله كذلك منذ يوم « ألست » يوم العهد والميثاق ; لتأتي منزهة عن كل الخبائث الظاهرية والباطنية ، ولما كانت عقوبة الطمث في النساء لها خصوصية اهتم بذكر رفعها والنص عليها ، وهذا المعنى يدل على علم فاطمة بالصفات الأخرى أيضا .
وقوله : « بالعلم » و « بالميثاق » إشارة إلى عدم الجهل وإلى الطهارة الأصلية لفاطمة الزكية .
وقوله : « بالميثاق » مفسر ومبين لقوله « بالعلم » ، وقد ذكره الإمام الباقر ( عليه السلام ) في كلامه توضيحا وتفسيرا .
والباء في « بالعلم » و « بالميثاق » سببية ومتعلقها « اسم فاطمة » ، وطريق الإنفطام معلوم وفيه قرينة مفيدة . ففاطمة موسومة « بفاطمة » بالعلم القديم والميثاق المأخوذ ، ويشهد لذلك الأمر الذي حمله ذلك الملك العظيم ويؤيده ويؤكده قوله « بالميثاق » ; فقوله « بالعلم » لا يرجع - ولو بالكناية -
إلى علم فاطمة ، بل يرجع إلى علم الله ورسوله ، وهذا النوع من التعبير كثير في الآيات وكلمات الأئمة الطاهرين مع ملاحظة الإختصار والإيجاز في كلامهم ( عليهم السلام ) ، فتأمل .
لطيفة ظريفة خطرت في بالي لطيفة طريفة في المقام : قيل في حديث « لا رضاع بعد فطام » أن الطفل إذا رضع اللبن من الغير بعد الفطام وإتمام الرضاع ، فرضاعه هذا لا ينشر الحرمة ، فيقال في هذا المقام إذا كانت فاطمة قد فطمت عن الجهل منذ بدو الخلقة ومنذ يوم « ألست » فهي لا تحتاج إلى استرضاع ، بل جاءت إلى هذا العالم وهي في غاية الإستغناء ، وما قاله عنها كان بيانا للواقع ليس إلا ، ومقارنة التسمية مع الولادة دليل على أن « لا رضاع بعد فطام » .
الوجه الرابع روى في البحار عن الصادق ( عليه السلام ) : تدري أي شئ تفسير فاطمة ؟ قال : فطمت من الشر .
ويقال : إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث .
وفي الأمالي والعلل عن عبد العظيم الحسني ( عليه السلام ) قال : حدثني الحسن بن عبد الله بن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لفاطمة ( عليها السلام ) تسعة أسماء عند الله عز وجل - وذكر الأسماء - ثم قال : أتدري أي شئ تفسير فاطمة ( عليها السلام ) ؟ قلت : أخبرني يا سيدي .
قال : فطمت من الشر . . » .
فإذا قلنا : إن الفعل هنا لازم ، فيكون المعنى أن فاطمة ( عليها السلام ) هي التي فطمت نفسها من الشر وتباعدت عنه .
اختيار للخيار : مختصر في معنى الخير والشر إن غرضي الأساسي هو إظهار وإثبات فضل المخدرة الكبرى ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، وقد بلغ بنا الكلام إلى فطام فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) عن الشرور ، لذا أحببت أن أطلع القراء عما يدور في خلدي حول معنى الخير والشر ، فأقول بإيجاز : إن إجراء الخير والشر منحصر في يد القدرة الإلهية ، بل إن الله تبارك وتعالى هو خالق الخير والشر كما في رواية الكافي عن معاوية بن وهب عن الصادق ( عليه السلام ) : إن مما أوحى الله إلى موسى ( عليه السلام ) . . . : « إني أنا الله خلقت الخلق وخلقت الخير وأجريته على يدي من أحب ، فطوبى لمن أجريته على يديه ، وأنا الله لا إله إلا أنا خلقت الخلق وخلقت الشر وأجريته على يدي من أريده ، فويل لمن أجريته على يديه » .
قال بعض المحققين : إن هذا الحديث يعارض قوله « والخير في يديك والشر ليس إليك » ، فلا بد أن يقال : إن معنى الخير والشر مقدر بالتقديرات الإلهية ، أو أن الخير والشر هي الجنة والنار والمراد من إجراء الخير والشر إقبال التوفيق وإدباره المستتبع للغفران والخسران .
وقالوا أيضا : إن الخير ذاتي والشر عرضي ، وتركيب العالم قائم على الخير والشر حسب ما تقتضيه الحكمة ، فكل قهر تقابله رحمة ، وكل شر يقابله خير ، إلا أن مراتب الخير والشر متفاوتة ، فخلق النار - إذن - خير وشرها نادر ، ولأن في خلقها مصالح وحكم ، وأما شرها فلا ينسب إلى الحق جل وعلا ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) .
وعلى أي حال فالأشياء لا تخرج عن أحد الأمور الخمسة التالية : إما أن يكون الشئ خيرا محضا ، أو يكون شرا محضا ، أو يكون الخير والشر معا بالتساوي ولكن الخير غالب ، أو يكون الشر غالبا أو يكونان متساويين .
أما القسم الأول : أي يكون الشئ خيرا محضا ، فمثل عالم الروحانيات التي لم يلحظ فيها الشر أصلا ، ومنه الأنبياء والأولياء ومنهم الصديقة الكبرى والعصمة العظمى ، فهي مبرأة وعارية بالحقيقة من الشرور والمفاسد منذ اليوم الأول ; لأن الله خلقها خيرا محضا وصلاحا صرفا ، فليس للشر والفساد إليها سبيلا ، ولهذا فالأفضل أن تستعمل لها صيغة البناء للمجهول فيقال « فطمت عن الشر » ، أي أنها قطعت عن كل شر وفساد ظاهرا وباطنا ، وكانت تلك المخدرة منبع الخيرات ومصدر البركات ، ولم يكن في وجودها المبارك شئ من الشرور والمعاصي والملكات الذميمة ، ولا يتصور ذلك في حقها ، بل لا يتصور احتمال ارتكاب المخالفة في حقها ، وكانت كذلك منذ الأزل لمقتضى الصلاح والحكمة .
أما إذا قيل فطمت بالبناء للمعلوم ، فيعني أن فاطمة ( عليها السلام ) هي التي أبعدت نفسها عن الشرور ، وهذا الإبتعاد يحتاج إلى تأييد من الله جل وعلا .
قال العلامة المجلسي ( رحمه الله ) : ويمكن أن يقال : إنها فطمت نفسها وشيعتها من النار وعن الشرور ، وفطمت نفسها عن الطمث ، ولكون السبب في ذلك ما علم الله من محاسن أخلاقها ومكارم خصالها فالإسناد مجازي » .
الوجه الخامس عن البحار ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « سميت فاطمة فاطمة لفطمها عن الدنيا ولذاتها وشهوتها » ، فلما نزل الملك وأجرى اسمها على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كانت فاطمة عازفة عن الدنيا ، معرضة عما سوى الله ، موجهة قلبها من المهد إلى اللحد نحو الآخرة ونحو الله ; لأن حب الدنيا قطع عنها قطعا واستغرقت في محبة الحق تعالى ، ولهذا عاشت في هذه الدنيا فترة قصيرة وكابدت فيها المصائب مكابدة وهي في غاية القدرة وكمال الكرامة ، ومن قرأ كتاب « زهد فاطمة » علم أنها « ليست كالآدميين » .
تكون التسمية بيان لما ستأول إليها ( عليها السلام ) كما قاله المجلسي طاب ثراه إن شاء الله تعالى .
الوجه السادس في كتاب علل الشرائع ، عن عبد الله المحض بن الحسن المثنى عن أبي الحسن السجاد ( عليه السلام ) قال : قال لي أبو الحسن ( عليه السلام ) : لم سميت فاطمة فاطمة ؟ قلت : فرقا بينه وبين الأسماء .
قال : « إن ذلك لمن الأسماء ، ولكن الاسم الذي سميت به إن الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه ، فعلم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتزوج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر فيهم من قبله ، فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها فقطعهم عما طمعوا ، فبهذا سميت فاطمة لأنها فطمت طمعهم ، ومعنى فطمت : قطعت » .
قال العلامة المجلسي في ذيل هذا الخبر : « قوله « فرقا بينه وبين الأسماء » لعله توهم ( أي عبد الله المحض ) أن هذا الاسم مما لم يسبقها إليه أحد ، فلذا سميت به لئلا يشاركها فيه امرأة ممن مضى ، فأجاب ( عليه السلام ) بأنه كان من الأسماء التي كان يسمون بها قبل .
وقوله « إن الله » أي « لأن الله » .
قد يقال : إنه قال « فلما ولدت فاطمة سماها الله تعالى فاطمة » أي إن الله هو الذي سماها بهذا الاسم ، ثم قال « لما أخرج منها جعل في ولدها فقطعهم عما طمعوا » أي إن الله هو الذي جعل الوراثة والخلافة في ولدها ، وهو الذي قطع طمع الناس فهو الفاعل والجاعل تماما ; وقوله « فقطعهم » يفيد أن الله هو القاطع والفاطم ، وهو يعارض قوله « لأنها فطمت » أي أن فاطمة هي فاطمة .
والجواب : إن الجمع بين الفقرتين من قبيل الجمع بين الآيات الكريمة في قوله تعالى : ( الله يتوفى الأنس ) و ( يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) و ( تتوفاهم الملائكة ) .
فالآية الأول صريحة في أن القابض للأرواح هو الله جل شأنه ، وفي الثانية : ملك الموت ، وفي الثالثة : الملائكة .
ومثله إذا قطع السكين شيئا فهو منسوب إلى السكين وإلى اليد وإلى الروح معا ، لكن الأصل هو الروح والقطع حاصل ظاهرا من اليد بواسطة السكين .
فالله سبحانه اختار فاطمة منذ الأزل بإرادته الحتمية وسماها بهذا الاسم وجعل الوراثة والخلافة في أولادها وقطع طمع الآخرين بفاطمة ، فلما ولدت فاطمة الطاهرة آيس الآخرين بوجودها الشخصي وقطع طمعهم .
وبعبارة أخرى : إن وجودها قطع الطمع لوجود تلك المقدمات جميعا ، ولكنه كان بإرادة الله وجعله .
ونظير قوله ( صلى الله عليه وآله ) : فطمتك بالعلم ، وفطمتك عن الطمث ، وفطمتك عن الشر ، فعلى كل التقدير يكون الفاعل هو الله العلام لا سيد الأنام ( صلى الله عليه وآله ) ، أي لأن الله العالم أراد ذلك فأنا - أيضا - أردته ، وإني فطمتها كما فطمها الله عن الجهل وعن الطمث .
الوجه السابع في البحار معنعنا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « من عرفها حق معرفتها أدرك ليلة القدر ، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن كنه معرفتها » .
وفي حديث آخر قال : إنما سميت فاطمة لأن أعدائها فطموا عن حبها .
وفي الحديث وجه آخر سيأتي بيانه ضمن بيان تأويل ليلة القدر بفاطمة الزهراء ( عليها السلام )
تعريف لطيف يظهر من الحديث الأول أمران : الأول : إن معرفة فاطمة حق المعرفة يعني إدراك ليلة القدر .
الثاني : انقطاع الناس عن حقيقة معرفتها .
فالأول تعليق ، والثاني إخبار عن المحال لاستحالة معرفة فاطمة . ويستفاد من الأمر الثاني إستحالة إدراك ليلة القدر لاستحالة معرفة فاطمة حق المعرفة .
ونظيره بوجه قوله ( عليه السلام ) « من عرف نفسه فقد عرف ربه » حيث يفيد استحالة معرفة النفس لاستحالة معرفة الرب سبحانه .
ومعرفة فاطمة الزهراء تكون على نحوين : الأول : معرفة اسمها ونسبها وجملة من حالاتها ، كما فعل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حينما أخذ بيدها ( عليها السلام ) وقال : من عرفها فقد عرفها ومن لم يعرفها فهي فاطمة بضعة مني وروحي التي بين جنبي . . إلى آخر الحديث .
أراد النبي ( صلى الله عليه وآله  ) بهذا التعريف أن يخبر عن إتحاده بفاطمة الزهراء الدال على كمال فضلها وشرفها ، وأراد أن يقول للناس إعرفوا فاطمة بهذه المعرفة فإنها روحي وقلبي ، ونتيجة هذه المعرفة أن يتعامل الناس مع روح النبي وقلبه وفؤاده وبضعته كما يتعاملون معه تماما ، وحرمة روح النبي كحرمة النبي ، واحترام الجزء الأعظم احترام للكل .
والثاني : معرفة كنهها وحقيقتها ، والإحاطة التامة بتمام مقاماتها وكمالاتها وفضائلها وفواضلها إضافة إلى اسمها ورسمها ونسبها وحسبها ، فهذا ما لا يبلغه أحد ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : « وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى » المراد به المعرفة الإجمالية ، لأن فاقد المقامات العالية يعيش دائما في المرتبة الدانية ، فلا يصل إلى المقام العالي ولا يستطيع معرفته وإدراكه .
وإنما يعجز الإنسان عن إدراك الشئ أو الشخص لكثرة أوصافه وآياته فكلما ازدادت أوصاف الموصوف عظم قدره وعلا شأنه في الأعين .
فكيف يمكننا إدراك حقيقة النبوة ومعرفة كنهها ؟ إن الحديث السابق يدل على أن معرفة فاطمة و « ليلة القدر » أشد وأعظم من معرفة الإمام ( عليه السلام ) ، حيث قالوا في معرفة الإمام حق المعرفة : أن تعرف أنه إمام مفترض الطاعة ، وأن معرفته معرفة الله - أي به يعرف الله - ، بينما قالوا في فاطمة : إنها لا يمكن معرفتها بحال ، فهي كالاسم الأعظم والساعة المستجابة وليلة القدر .
وهذا البيان بنفسه نقوله في النبي والوصي والإمام ، حيث لا يمكن الوصول إلى معرفة كنههم بحال .
لا يقال : إن معرفة الإمام واجبة لازمة بناء على قوله ( صلى الله عليه وآله ) : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » وغيره ، أما معرفة فاطمة فغير واجبة ولا لازمة لأنها ليست إماما ولا تكون إماما يوما ما .
كيف نقول ذلك ونعتقد صحته ونؤمن به ، مع أن الإمام قال غير ذلك وأمر الناس عن لسان النبي الأكرم والسلطان الأعظم بمعرفة فاطمة ، واعتبر معرفة تلك المستورة الكبرى من الإيمان بل جزءه المقوم « وأنها أعرف بالأشياء كلها » .
والبرهان العقلي يقول : لا بد للمحب أن يحب محبوب الحبيب ، وفاطمة الزهراء حبيبة الله ورسوله ، ومودتها ومحبتها محبة الرسول ، والمحبة فرع المعرفة ، فمن أحب فاطمة عليه أن يعرفها ، ولما كانت معرفة كنهها مستحيلة وجب أن يعرفها قدر الوسع والإمكان ، ومقتضى الفرض والحتم .
هذا الإجمال ، وسيأتيك التفصيل في خصائص أخرى إن شاء الله تعالى .
وقد تبين من الحديث الآخر أن أعداء فاطمة فطموا عن محبتها ، أي أن من كان يحب الله ورسوله أحب فاطمة ، ومن أحب فاطمة أحب الله ورسوله .
فالحديث الأول عام في عدم إدراك معرفة فاطمة ، والحديث الثاني خاص في عدم محبة أعداء فاطمة لفاطمة ( عليها السلام ) .
الوجه الثامن في البحار عن مصباح الأنوار عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) قال : إنما سميت فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الطاهرة لطهارتها عن كل دنس ، وطهارتها من كل رفث ، وما رأت يوما قط حمرة ولا نفاسا .
وقد روى هذا الحديث في معنى الطاهرة والبتول ، والتعليل في معنى الحديث ظاهر ، ولكنه مأخوذ من « فطمت عن الطمث » ، وهاتان الطهارتان إشارة إلى نزاهة فاطمة الزهراء عن الدنس ظاهرا وباطنا ، وتكرار ذكر الطهارة باعتبار تعدد المتعلق من قبيل تكرار ذكر الاصطفاء في حق مريم ( عليها السلام ) ، فالدنس والرفث صريح في الأدناس الظاهرة والأرجاس الباطنة ، والدنس هو الوسخ حقيقة ، ولكنه يستعمل في غير مجاز وكناية ، فيقال : فلان دنس الثياب إذا كان خبيث الفعل والمذهب .
وفي وصف الأئمة ( عليهم السلام ) : « لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء » كذا في مجمع البحرين .
والرفث أصلا الفحش ، وفي الحديث « ويكره للصائم الرفث »  ، وقال تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) .
وقد يكون قوله « وما رأت يوما » بيانا للفقرة الأولى من الحديث ، وقد يكون غير ذلك ، بأن يكون لكل تعبير معنى غير المعنى الآخر ، فالمراد من « الطهارة من الدنس » غير المراد من « الطهارة من الرفث » ورؤية دم النفاس وغيره . ومضمون هذا الحديث متواتر عند الشيعة والسنة ، ولكني اكتفيت بذكر حديث واحد في المقام ومؤداه : فطام فاطمة وتنزيهها وتهذيبها من أدناس النساء خاصة ، ومن الخصال الرذيلة في البشر عامة ، وهذه موهبة من مواهب الرحمن ومكرمة من مكارم الملك المنان ، وذلك فضل الله لها ورحمته عليها .
الوجه التاسع في علل الشرائع للمرحوم الصدوق طاب ثراه ، عن محمد بن مسلم الثقفي قال : سمعت أبا جعفر ( الباقر ) ( عليه السلام ) يقول : لفاطمة وقفة على باب جهنم ، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار ، فتقرأ بين عينيه محبا فتقول : إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار ، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد .
فيقول الله عز وجل : صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد ، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه ، ليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي ، فمن قرأت بين عينيه مؤمنا فجذبت بيده وأدخلته الجنة .
وفي عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) عن الرضا ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إني سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها وفطم من أحبها عن النار .
وعن أبي هريرة مثله .
والخركوشي في شرف النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وابن بطة في الإبانة عن الكلبي عن جعفر بن محمد ( الصادق ) ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي : هل تدري لم سميت فاطمة ؟ قال علي : لم سميت فاطمة يا رسول الله ؟ قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار .
وفي العيون : بالإسناد إلى دارم قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ومحمد بن علي قالا : سمعنا المأمون يحدث عن الرشيد ، عن المهدي ، عن المنصور ، عن أبيه عن جده قال : قال ابن عباس لمعاوية : أتدري لم سميت فاطمة فاطمة ؟ قال : لا .
قال : لأنها فطمت هي وشيعتها من النار ; سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقوله .
ومر في الحديث عن معنى المنصورة حديثا بهذا المضمون .
وسيأتي في خصائص الزهراء ( عليها السلام ) حديث ابن أبي جمهور الإحسائي من أن نار الدنيا لا تحرق بدن فاطمة وذريتها وشيعتها ، وهو من أعجب الأحاديث ، ويحتاج إلى خصيصة مستقلة . والخلاصة : إن ظهور هذا الوجه سيكون في الآخرة ، وإنه أعظم معاني اسم فاطمة ، وهو حديث متفق عليه لا تجد من ينكره ، والمخالفون جميعا يذعنون بصحته ، وكأن اسم فاطمة وضع للدلالة على الشفاعة ، ونجاة الشيعة من النار ، والوجوه السابقة المتعلقة بالدنيا كلها أوصاف يتصف بها من صاحب الشفاعة العظمى ، ولا تعارض بينها .
الوجه العاشر في البحار وغيره في معنى فاطمة والبتول « لأنها فطمت وبتلت عن النظير » يعني أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) مفطومة منقطعة عن المثيل ، أي لا ند لها ولا نظير في الدنيا ، وهو معنى كونها سيدة نساء الأولين والآخرين ، ومن كانت عديمة النظير من أول الخلقة إلى يوم القيامة لا بد أن تجمع كل الخصائص الحسنة ، وتتنزه عن كل النقائص والمعايب ، وتكون مفطومة معصومة عن كل الذنوب ، وإن كل هذه الأخبار والآثار المتظافرة الواردة عن الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) في أوصاف المخدرة الكبرى وفي إثبات عصمتها وطهارتها تدل جميعا على أنها لا نظير لها .
أجل : كانت مريم المعصومة الطاهرة نظير فاطمة في هذا العالم من حيث العصمة ، أما في غيرها فكيف يمكن أن تناظر فاطمة في المقامات والمراتب والفضائل الذاتية والخارجية وتصل إلى مقامها الشامخ ، ففاطمة حجبت القلب عما سوى الله وقطعت عرى المحبة عن كل فرد فرد من أجزاء هذا العالم ، ولم تر شيئا سوى الله ، ولم تفكر إلا به وبرضاه .
ونعم ما قيل : « جمالك في عيني وذكرك في فمي * وحبك في قلبي فأين تغيب » وقال الشاعر :
طلب الحبيب من الحبيب رضاه * ومنى الحبيب من الحبيب
لقاه فسبحان من خصها بأعظم الفضائل ، وميزها عن خلقه بأكرم الخصال ، وشرفها ، ورفع قدرها ، وأكرمها ، وأكثر نسلها ، وجعل كل حال من أحوالها آية باهرة ، وكل طور من أطوارها معجزة ظاهرة وكرامة زاهرة ، ونعم ما قيل :
ولو كان النساء بمثل هذي * لفضلت النساء على الرجال
والهدف الأول هو الله لا الدنيا ولا الآخرة ، والمطلوب والمقصود المحبوب هو الله وحده لا سواه ، ولهذا اصطفاها الله وانتجبها وفضلها على نساء العالمين وأعطاها السيادة .
وسيتضح للقراء من خلال حديثنا عن الملكات الشريفة للعصمة الكبرى ، كيف كانت سيدة نساء العالمين تتعبد الله في عالم الإمكان وفي هذا الزمان المحدود من عمرها المبارك ، وكيف أنها لازمت التقوى وطلبت رضا الله وتمحضت في العبودية ، وأفنت إنيتها في جنب الربوبية ، ولم تطلب لنفسها شيئا من نقير أو قطمير في أي حالة من حالاتها ، بل لم تر نفسها مالكة لأمر أو شئ ما ، تماما كأبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي قال الله في مدحه : ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) يعني أنه كان في مقام التسليم والرضا فؤادا من رأسه حتى قدميه ، حيث أنه لم ير سوى الله ولم يسمع إلا من الله ولم يقل إلا من الله وبأمر الله ( ما زاغ البصر وما طغى ) وأن عينه الظاهرية لم تزغ ليلة المعراج إلى شئ من الأفلاك ، والأملاك وهو حكاية عن بصيرته الباطنية ورؤيته الفؤادية ، وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ثمرة فؤاد نبي الرحمة ، وقرة عين هذه الذات المقدسة ، وقد اتفقت روايات المخالف والمؤالف على أن العصمة الكبرى فاطمة الزهراء شابهته وماثلته في الصورة والسيرة والكمالات اللامتناهية .
وقد يقال : إن المراد من قوله « بضعة مني » القلب الروحاني ، والمضغة الرحمانية المحمدية ، ولطالما كرر النبي قوله : « إن فاطمة روحي وقلبي » وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خطبته « إن فاطمة المرضية آنية الله الزكية » وآنية الله أي قلب الله ، وأحب القلوب إلى الله أرقها وأصفاها .
وإن شئت فقل - بناء على الرواية المعتبرة - : إن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) مهجة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، والمهجة سبب حياة القلب والجسد العنصري الإنساني ، وإلا فقل ما قاله النبي ( صلى الله عليه وآله) باختصار « فاطمة مني وأنا من فاطمة ) .
والخلاصة : إن لازم الإنفصال والانقطاع عن الخلق الإتصال والإلتحاق بالخالق ، وقد ظهر معنى الاسم والمسمى وتجلى الإنفطام والإنفصال عما سوى الله والاتصال بالمولى في وجودها الحق سلام الله عليها .
وقد قلت مرة على المنبر : إن فطام فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) عام وخاص .
أما العام : فانقطاع المحبة عن كل ما سوى الله .
وأما الخاص : فتسليمها ورضاها بشهادة ولديها ، تلك الشهادة التي كانت تسمع نبأها من مصدر الوحي ومعدن الصدق منذ يوم الأزل حتى انعقاد النطفة الزكية وإلى الولادة .
فتقطع قلبها عن محبتها وتبكي لتلك الأخبار الموحشة للطبيعة البشرية ، مع أن دعوتها كانت مجابة إلا أنها رجحت رضا الحبيب على رضاها وعاشت على ذلك وبكت له ، ولم تنم عنها كلمة تخالف الإرادة الإلهية مع أنها كانت مجابة الدعوة .
وأما قوله تعالى : ( فحملته كرها ووضعته كرها ) فإشارة إلى طبيعتها البشرية ، وهي من المقتضيات الكاملة لوجودها الإنساني .
وما أصعب أن ترضع الأم وليدها وتفطمه وتربيه وتكبره وهي تعلم بالقطع واليقين كيف سيذوقن الشهادة .
فالأشد والأصعب من ذلك كله شهادة ولدها وعزيزها المحسن صلوات الله عليها وعلى والدها وبعلها وبنيها .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية