وقفة معرفية في كمالات الصديقة الزهراء عليها السلام

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها وعلى السر المستودع فيها بعدد ما أحاط به علمك. إنّ الحديث عن الكمالات الوجودية للصديقة الكبرى السيدة الزهراء عليها السلام حديث عن الكمال الإلهي المتجلي في الكلمة التامة فهي كلمة تامة صاغتها اليد الإلهية فأشرقت وتجلت بالكمالات الإلهية فهي مظهر الخليفة الإلهي والإنسان الكامل بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ومن ثَمَّ لا يمكن استكناه عظمة هذه الشخصية والإحاطة بها لاستحالة أن يحيط الإنسان الناقص بكمالات الإنسان الكامل، ومن ثَمَّ نولِّي بوجوهنا شطر الآيات والروايات لنقرأها قراءة معرفية لمعرفة شئ من تلك الكمالات فعليه نشير إلى بعض مقاماتها وكمالاتها الوجودية وإلى بعض كلماتها النورية في المعارف الإلهية والآداب والأخلاق وذلك في مسارين:

المسار الأول: بعض كمالاتها الوجودية عليها السلام:
إنّ الراصد المعرفي للكمالات الوجودية للسيدة الزهراء عليها السلام يجد مجموعة من تلك الكمالات أشارت إليها الآيات والروايات والتي منها:
كمال وجودها النوري عليها السلام: والذي أشارت إليه الروايات من أنه نور حول العرش من قبل أن يخلق الله الخلق بآلاف السنين.
ومنها: كمال تكوُّن جسدها الطاهر: كما أشارت إلى هذه الحقيقة روايات الفريقين.
ومنها: كمال العصمة المطلقة: فهي المعصومة عصمة مطلقة في علمها وعملها كما أشارت إلى ذلك آية التطهير وروايات عديدة كما ورد في رواية أنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها.
ومنها: كمال حجيتها المطلقة: على كل ما خلق الله تعالى كما أشارت إلى هذه الحقيقة بعض الروايات.
ومنها: كمال أعلميتها: بكل الحقائق نتيجة علمها ومعرفتها التامة لله سبحانه وتعالى.
ومنها كمالاتها الأخروية: والتي تتجلى من بداية عالم الإحتضار وحضورها وعالم البرزخ وعقباته وعالم الآخرة وما يرتبط به من محطات الحوض والصراط والميزان والحساب إلى الظهور الأتم من كمالاتها في الجنان إلى مراتبها العالية.
فهي فهرسة سريعة إلى بعض كمالاتها الوجودية ومقاماتها العظيمة والتي تحتاج وقفات لعرض الأبحاث الإستدلالية حولها والتي تكفلت بها جملة من الكتب المعرفية التي خاضت هذا المضمار العظيم، وكما أشرنا فإنّ البحث يقتصر على بعض النتائج المعرفية دون الدخول إلى الأبحاث الإستدلالية، فتدبر.

المسار الثاني: بعض كمالاتها النورية عليها السلام:

تجدر الإشارة في هذا المسار إلى ضرورة وجود قراءات معرفية جادة لتراث النبي والمعصومين من أهل بيته صلوات الله عليهم وذلك لكونهم أبواب الهداية الإلهية وسفينة النجاة وكون التمسك بهم موجب للعصمة من الضلال في مسار المعرفة والسلوك كما نصت على ذلك آيات وروايات مذكورة في محلها.
وانطلاقاً من هدي هذه الحقيقة المعرفية نشير إلى بعض الكمالات النورية الواردة عنها (ع ) في مجالات متعددة.
إنّ الراصد المعرفي للكمالات النورية الواردة عنها عليها السلام يجد أنها تنوعت إلى مجالات عدة خصوصاً إذا أدركنا حقيقة ما ورد عن مصحف فاطمة عليها السلام والذي يعبّر عن سعة علمها بالحقائق لكونه حوى ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن أمير المؤمنين عليه السلام في المعارف والتشريع والأخلاق والآداب مضافاً إلى حقائق ما يقع في مستقبل الزمان من أحداث وتقلبات ومن ثَمَّ نجد أنّ هذا المصحف وهذا الكتاب المعرفي قد ورثه الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد بل هو من مصادر علمهم عليهم السلام وهذا فيما يعني أنّ للصديقة فاطمة عليها السلام هيمنة علمية وواسطة معرفية للمعصومين من أبنائها عليهم السلام، فتدبر.
هذا مضافاً إلى خطبتها المعروفة والتي تعتبر بحق وثيقة معرفية قد اختزنت حقائق تحتاج إلى دراسة وفق موازين وآليات معرفية عالية لاستكناه وإبراز تلك الحقائق.

فإليك عزيزي القارئ باقة من تلك الكلمات النورية الواردة عنها:
1ـ ما ورد عنها عليها السلام في المعرفة التوحيدية: "...وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها وضمَّن القلوب موصولها وأنار في التفكر معقولها. الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته... "(1).
2ـ ما قالته في حق النبي صلى الله عليه وآله: "...وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه... "(2).
3ـ ما قالته في حق أمير المؤمنين علي عليه السلام: "...كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه ـ علي عليه السلام ـ في لهواتها فلا ينكث حتى يطأ جناحها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه مكدوداً في ذات الله مجتهداً في أمر الله قريباً من رسول الله سيداً في أولياء الله مشمراً ناصحاً مُجِداً كادحاً لا تؤخذه في الله لومة لائم... "(3).
4ـ ما قالته في حق القرآن: "...كتاب الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللامع بينةٌ بصائره منكشفةٌ سرائره منجليةٌ ظواهره مغتبطةٌ به أشياعه قائداً إلى الرضوان إتِّباعه مؤد إلى النجاة استماعُه، به تنال حجج الله المنورة وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذرة وبيناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة.. "(4).
5ـ ما قالته عليها السلام في بعض مقامات أمير المؤمنين عليه السلام: "خرج علينا رسول الله (ص) فقال: إنّ الله عز وجل باهى بكم فغفر لكم عامة، وغفر لعلي خاصة، وإني رسول الله إليكم غير هائب لقومي ومحاب لقرابتي، هذا جبرئيل عليه السلام يخبرني: إنّ السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياتي وبعد وفاتي"(5).
6ـ ما ورد عنها في حق الإمام الحسن والحسين عليهما السلام: "إنها قالت: يا رسول الله إنّ هذين لم تورثهما شيئاً؟ فقال صلى الله عليه وآله: أمّا الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فله جرأتي وجودي"(6).
7ـ ما ورد عنها عليها السلام أنها قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فاطمة من صلى عليكِ غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة"(7).
8ـ ما قالته عليها السلام في فلسفة التشريعات الإلهية: "...جعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة لكم عن الكِبَر، والزكاة تزكية للنفس، ونماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين..."(8).
9ـ ما ورد عنها عليها السلام في الأخلاق والآداب: "البشر في وجه المؤمن يوجب لصاحبه الجنة، والبشر في وجه المعاند المعادي يقي صاحبه عذاب النار"(9).
10ـ ما ورد عنها عليها السلام في الإخلاص لله تعالى قولها: "من أصعد إلى الله خالص عبادته أهبط الله إليه أفضل مصلحته"(10).
هذه باقة معرفية متنوعة وكلمات نورية مضيئة وردت عنها عليها السلام لمن أراد القرب من الله سبحانه وتعالى في سيره العلمي والسلوكي رزقنا الله وإياكم السير على منهاجها والتوفيق لنشر معارفها وفي الآخرة نيل شفاعتها، إنه سميع الدعاء، وهو الغاية.

ـــــــــــــــ
(1) الإحتجاج ج1 ص132 باب احتجاجها على القوم.
(2) المصدر السابق.
(3) المصدر السابق.
(4) المصدر السابق.
(5) أسنى المطالب لشمس الدين الجزري ص70.
(6) أسد الغابة ج5 ص467.
(7) كشف الغمة ج1 ص472.
(8) الإحتجاج ـ مصدر سابق.
(9) تفسير الإمام العسكري ص354.
(10) بحار الأنوار ج71 ص184.