فضل الصيام

قال تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ) البقرة / 183 .
عن حفص بن غياث النخعي قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : (( إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا )) ،
فقلت له : فقول الله عز وجل : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ ) قال : (( إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم ففضّل به هذه الأمة وجعل صيامه فرضا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أمته )) (1) .
 قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف إلا الصيام هو لي وأنا أجزي به، انه يترك الطعام وشهوته من أجلي، ويترك الشراب وشهوته من أجلي، فهو لي وأنا أجزي به )) (2).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( الصوم جُنّة من النار )).
 وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم يغتب مسلما )).
 وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( قال الله تبارك وتعالى : الصوم لي وأنا أجزي به ، وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه عز وجل ، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك )) .
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه : (( ألا أخبركم بشئ إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب ؟ )).
قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : (( الصوم يسود وجهه ، والصدقة تكسر ظهره ، والحب في الله عز وجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره ، والاستغفار يقطع وتينه، ولكل شئ زكاة وزكاة الأبدان الصيام )) .
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( إن الله تبارك وتعالى وكّل ملائكة بالدعاء للصائمين وقال : أخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن ربه تعالى ذكره أنه قال : ما أمرت ملائكتي بالدعاء لأحد من خلقي إلا استجبت لهم فيه )).
وقال أبو الحسن الأول (عليه السلام) : (( قيلوا فإن الله عز وجل يطعم الصائم ويسقيه في منامه )) .
وقال أبو جعفر (عليه السلام) : (( بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية )).
وقال الصادق (عليه السلام) لعلي بن عبد العزيز : (( ألا أخبرك بأصل الإسلام وفرعه وذروته وسنامه )) ؟ قال : بلى ، قال : (( أصله الصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروته وسنامه الجهاد في سبيل الله عز وجل ، ألا أخبرك بأبواب الخير ؟ الصوم جنة من النار )).
وقال (عليه السلام)  في قول الله عز وجل : ( وَاسْتَعِينُوْا بِالصّبْرِ وَالصّلاَةِ )  قال : (( يعني بالصبر الصوم )).
وقال (عليه السلام) : (( إذا نزلت بالرجل النازلة أو الشدة فليصم فإن الله عز وجل يقول : ( وَاسْتَعِينُوْا بِالصّبْرِ وَالصّلاَةِ ))) .
وقال الصادق (عليه السلام) : (( أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى (عليه السلام) ما يمنعك من مناجاتي ؟ فقال : يا رب أُجِلّك عن المناجاة لخلوف فم الصائم ، فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك )) .
 وقال الصادق (عليه السلام) : (( للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه عز وجل )).
وقال (عليه السلام) : (( من صام لله عز وجل يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكّل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر ، قال الله عز وجل : ما أطيب ريحك وروحك يا ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له )).
وقال الصادق (عليه السلام) : (( نوم الصائم عبادة ، وصمته تسبيح ، وعمله متقبل، ودعاؤه مستجاب )).
 
 علة فرض الصيام:
 سأل هشام بن الحكم أبا عبد الله (عليه السلام) عن علة الصيام فقال : ((  إنما فرض الله عز وجل الصيام ليستوي به الغني والفقير ، وذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير لان الغني كلما أراد شيئا قدر عليه فأراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه وأن يذيق الغني مس الجوع والألم ليرقَّ على الضعيف فيرحم الجائع )) .
 وكتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله : (( علة الصوم لعرفان مس الجوع والعطش، ليكون ذليلا مستكينا مأجورا محتسبا صابرا ، ويكون ذلك دليلا له على شدائد الآخرة ، مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات ، واعظا له في العاجل ، دليلا على الآجل، ليعلم شدة مبلغ ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة )) .
كتب حمزة بن محمد إلى أبي محمد (عليه السلام) : لم فرض الله الصوم ؟ فورد في الجواب :(( ليجد الغني مسَّ الجوع فيمنَّ على الفقير )).
وروي عن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) أنه قال : ((  جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله أنه قال له : لأي شئ فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض الله على الأمم أكثر من ذلك ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :((  إن آدم (عليه السلام) لما أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضل من الله عز وجل عليهم وكذلك كان على آدم (عليه السلام) ، ففرض الله ذلك على أمتي ، ثم تلا هذه الآية : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ أَيّاماً مَعْدُودَاتٍ ))) . قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فما جزاء من صامها ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال ، أولها يذوب الحرام في جسده ، والثانية يقرب من رحمة الله عز وجل، والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه (عليه السلام) ، والرابعة يهوّن الله عليه سكرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة يعطيه الله براءة من النار ، والسابعة يطعمه الله عز وجل من طيبات الجنة )) ، قال : صدقت يا محمد. )) (3).
 
شرط الصوم:
روى جراح المدائني عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال :
 (( إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، إنما للصوم شرط يحتاج أن يحفظ حتى يتم الصوم ، وهو الصمت الداخل ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب ، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا ، ولا تماروا ، ولا تكذبوا ، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا، ولا تبادوا، ولا تظلموا ، ولا تسافهوا، ولا تزاجروا ، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ، ومجانبة أهل الشر ، واجتنبوا قول الزور، والكذب، والمراء، والخصومة ، وظن السوء ، والغيبة والنميمة ، وكونوا مشرفين على الآخرة، منتظرين لأيامكم، منتظرين لما وعدكم الله، متزودين للقاء الله ، وعليكم بالسكينة والوقار، والخشوع والخضوع ، وذل العبد الخائف من مولاه ، راجين خائفين، راغبين راهبين ، قد طهرتم القلوب من العيوب ، وتقدست سرائركم من الخب، ونظفت الجسم من القاذورات ، تبرأ إلى الله مِن عداه ، وواليت الله في صومك بالصمت من جميع الجهات مما قد نهاك الله عنه في السر والعلانية ، وخشيت الله حق خشيته في السر والعلانية ، ووهبت نفسك لله في أيام صومك ، وفرغت قلبك له ونصبت قلبك له في ما أمرك ودعاك إليه ، فإذا فعلت ذلك كله ، فأنت صائم لله بحقيقة صومه، صانع لما أمرك، وكلما نقصت منها شيئا مما بينت لك فقد نقص من صومك بمقدار ذلك )) (4).
وعن جراح المدائني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (( إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده )) . ثم قال : (( قالت مريم ( إِنّي نَذَرْتُ لِلرّحْمَنِ صَوْماً ) أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا )) .
 قال : وسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطعام فقال لها :
(( كلي )) فقالت إني صائمة فقال: (( كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ؟ إن الصوم ليس من الطعام والشراب )) .
قال : وقال أبو عبد الله (عليه السلام): (( إذا صمت فليصم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح، ودع المراء، وأذى الخادم، وليكن عليك وقار الصائم ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك )) .
عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( ما من عبد صائم يُشتَم فيقول إني صائم، سلام عليك لا أشتمك كما تشتمني، إلا قال الرب تبارك وتعالى استجار عبدي بالصوم من شر عبدي قد أجرته من النار )) (5).
 وفي كتاب الفقه الرضوي : واعلم رحمك الله أن الصوم حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن والأسماع والأبصار وسائر الجوارح حتى يستر به من النار وقد جعل الله على كل جارحة حقا للصائم فمن أدى حقها كان صائما ومن ترك شيئا منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق / ج 2 / ص 99.
(2) سنن الدارمي / عبد الله بن بهرام الدارمي / ج 2 / ص 24 .
(3) من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصدوق / ج 2 / ص  73ـ74.
(4) كلمة التقوى / الشيخ محمد أمين زين الدين / ج 2 / ص 107 - 108.
(5) الحدائق الناضرة / المحقق البحراني / ج 13 / ص 12 .