من مناظرات الامام جعفر بن محمد الصادق(ع) مع أبي حنيفه وغيره

1-عن الحسن بن محبوب، عن سماعة قال: قال أبوحنيفة لابي عبدالله (عليه السلام): كم بين المشرق والمغرب؟ قال: ميسرة يوم، بل أقل من ذلك. فاستعظمه
 فقال(ع) : يا عاجز لم تنكر هذا؟ إن الشمس تطلع من المشرق وتغرب إلى المغرب في أقل من يوم.
2 -عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) بمكة إذا دخل عليه اناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد، وواصل بن عطا، وحفص ابن سالم، واناس من رؤسآئهم، وذلك حين قتل الوليد، واختلف أهل الشام بينهم فتكلموا وأكثروا، وخطبوا فأطالوا، فقال لهم أبوعبدالله جعفر بن محمد (عليهما السلام): إنكم قد أكثرتم علي وأطلتم، فأسندوا أمركم إلى رجل منكم فليتكلم بحجتكم وليوجز.
 فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال، فكان فيما قال أن قال: قتل أهل الشام خليفتهم، وضرب الله بعضهم ببعض، وتشتت أمرهم، فنظرنا فوجدنا رجلا له دين وعقل ومروة، ومعدن للخلافة، وهو محمد بن عبدالله بن الحسن، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه، ثم نظهر أمرنا معه، وندعوا الناس إليه فمن بايعه كنا معه، وكان معنا، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا جاهدناه، ونصبنا له على بغيه ورده إلى الحق وأهله، وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك، فانه لاغنى بناعن مثلك، لفضلك وكثرة شيعتك.
 فلما فرغ قال أبوعبدالله (عليه السلام): أكلكم على مثل ما قال عمرو؟ قالوا: نعم،
 فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم قال: إنما نسخط إذا عصي الله، فاذا اطيع رضينا، أخبرني يا عمرو ولو أن الامة قلدتك أمرها فملكته بغير قتال ولا مؤنة، فقيل لك: وَلّها من شئت من كنت تُوَلّي؟
 قال: كنت أجعلها شورى بين المسلمين،
 قال: بين كلهم؟ قال: نعم،
 قال: بين فقهائهم وخيارهم؟ قال: نعم،
 قال: قريش وغيرهم؟ قال العرب والعجم،
 قال: أخبرني يا عمرو أتتولى أبابكر وعمر؟ أو تتبرأ منهما؟ قال: أتولاهما
 قال: يا عمرو إن كنت رجلا تتبرأ منهما فانه يجوز لك الخلاف عليهما، وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما، قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور أحدا ثم ردها أبوبكر عليه ولم يشاور أحدا، ثم جعلها عمر شورى بين ستة، فأخرج منها الانصار غير اولئك الستة من قريش، ثم أوصى فيهم الناس بشئ ما أراك ترضى به أنت ولا أصحابك قال: وما صنع؟
 قال: أمر صهيبا أن يصلي بالناس ثلاثة أيام، وأن يتشاوروا اولئك الستة ليس فيهم أحد سواهم، إلا ابن عمر ويشورونه وليس له من الامر شئ، وأوصى مُن بحضرته من المهاجرين والانصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا ويبايعوا أن يضرب أعناق الستة جميعا، وإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضرب أعناق الاثنين، أفترضون بذا فيما تجعلون من الشورى في المسلمين؟ قالوا: لا،
 قال: يا عمرو دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك هذا الذي تدعو إليه، ثم اجتمعت لكم الامة ولم يختلف عليكم فيها رجلان، فأفضيتم إلى المشركين الذين لم يسلموا ولم يؤدوا الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيهم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم في المشركين في حربه؟ قالوا: نعم،
 قال: فتصنعون ماذا؟
قالوا: ندعوهم إلى الاسلام فان أبوا دعوناهم إلى الجزية
 قال: وإن كانوا مجوسا وأهل كتاب؟ قالوا: وإن كانوا مجوسا وأهل كتاب
 قال: وإن كانوا أهل الاوثان وعبدة النيران والبهائم، وليسوا بأهل كتاب؟ قالوا: سواء،
 قال: فأخبرنى عن القرآن أتقرأه؟ قال: نعم،
 قال: اقرأ " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " (سورة التوبة الاية: 29).
قال: فاستثنى الله عزوجل واشترط من الذين اوتوا الكتاب، فهم والذين لم يؤتوا الكتاب سواء؟ قال: نعم
 قال (عليه السلام): عمن أخذت هذا؟ قال: سمعت الناس يقولونه،
 قال: فدع ذا فانهم إن أبوا الجزية فقاتلتهم وظهرت عليهم، كيف تصنع بالغنيمة؟ قال: اخرج الخمس واخرج أربعة أخماس بين من قاتل عليها.
 قال: تقسمه بين جميع من قاتل عليها؟ قال: نعم
 قال: قد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم في فعله وفي سيرته وبيني وبينك فقهاء أهل المدينة ومشيختهم، فسلهم فانهم لا يختلفون ولا يتنازعون في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم إنما صالح الاعراب على أن يدعهم في ديارهم، وأن لا يهاجروا على أنه إن دهمه من عدوه دهم فيستفزهم فيقاتل بهم وليس لهم من الغنيمة نصيب و أنت تقول بين جميعهم، فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سرته في المشركين،
 دع ذا ما تقول في الصدقة؟ قال: فقرأ عليه هذه الآية " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها " (سورة التوبة الاية: 60) إلى آخرها.
قال: نعم فكيف تقسم بينهم؟ قال: أقسمها على ثمانية أجزاء فاعطي كل جزء من الثمانية جزءا
قال (عليه السلام): إن كان صنف منهم عشرة آلاف وصنف رجلا واحدا، ورجلين وثلاثة، جعلت لهذا الواحد مثل ما جعلت للعشرة الاف؟ قال: نعم
 قال: وكذا تصنع بين صدقات أهل الحضر وأهل البوادي فتجعلهم فيها سواء؟قال: نعم
 قال: فخالفت رسول (صلى الله عليه وآله) في كل ما به أتى في سيرته، كان رسول الله يقسم صدقة البوادي في أهل البوادي، وصدقة الحضر في أهل الحضر، لا يقسمه بينهم بالسوية، إنما يقسم على قدر ما يحضره منهم وعلى ما يرى، فان كان في نفسك شئ ما قلت فإن فقهاء أهل المدينة ومشيختهم كلهم لا يختلفون في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا كان يصنع،
 ثم أقبل على عمرو وقال: اتق الله يا عمرو، وأنتم أيها الرهط فاتقوا الله فان أبي حدثني وكان خير أهل الارض وأعلمهم بكتاب الله وسنة رسوله أن رسول الله قال: من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه، وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف (الاحتجاج للطبرسى ص 197).
3- وذكر أبوالقاسم البغار في مسند أبي حنيفة: قال الحسن بن زياد: سمعت أباحنيفة وقد سئل من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد؛ لما أقدمه المنصور بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من مسائلك الشداد فهيأت له أربعين مسألة، ثم بعث إلي أبوجعفر(المنصور) وهو بالحيرة فأتيته.
فدخلت عليه، وجعفر(الصادق) جالس عن يمينه، فلما بصرت به، دخلني من الهيبة لجعفر(الصادق) مالم يدخلني لابي جعفر(المنصور)، فسلمت عليه، فأومأ إلي فجلست، ثم التفت إليه، فقال: يا أبا عبدالله هذا أبوحنيفة.
 قال: نعم أعرفه،
ثم التفت إلي فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبدالله من مسائلك فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا، وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم، ربما خالفنا جميعا حتى أتيت على الاربعين مسألة فما أخل منها بشئ ثم قال أبوحنيفة: أليس أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس.
4- عن أبان بن تغلب في خبر أنه دخل يماني على الامام الصادق (عليه السلام) فقال له: مرحبا بك يا سعد فقال الرجل: بهذا الاسم سمتني امي، وقلَّ من يعرفني به
 فقال: صدقت يا سعد المولى فقال: جعلت فداك بهذا كنت القّب فقال: لا خير في اللقب إن الله يقول: " ولا تنابزوا بالالقاب " (سورة الحجرات : 11) ما صناعتك يا سعد؟ قال: أنا من أهل بيت ننظر في النجوم،
 فقال(ع): كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟ قال: لا أدري
 قال(ع): فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟ قال: لا أدري
 قال(ع): فكم للمشتري من ضوء عطارد؟ قال: لا أدري
 قال(ع): فما اسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر؟ قال: لا أدري
فقال(ع): يا أخا أهل اليمن عندكم علماء؟ قال: نعم إن عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الاثر في الساعة الواحدة مسيرة سير الراكب المجد.
 فقال (عليه السلام): إن عالم المدينة أعلم من عالم اليمن، لان عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الاثر، ويزجر الطير، ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس، يقطع اثني عشر برجا، واثني عشر بحرا، واثني عشر عالما. قال: ما ظننت أن أحدا يعلم هذا ويدري.
سالم الضرير: إن نصرانيا سأل الصادق (عليه السلام) عن تفصيل الجسم فقال (عليه السلام) 5 -  قال بعض الخوارج لهشام بن الحكم: العجم تتزوج في العرب؟
قال: نعم قال: فالعرب تتزوج في قريش؟ قال: نعم قال: فقريش تتزوج في بني هاشم؟ قال: نعم، فجاء الخارجي إلى الامام الصادق (عليه السلام) فقص عليه، ثم قال: أسمعه منك فقال (عليه السلام): نعم قد قلت ذاك.
 قال الخارجي: فها أنا ذا قد جئتك خاطبا!
 فقال له أبوعبدالله (عليه السلام): إنك لكفو في دينك وحسبك في قومك، ولكن الله عزوجل صاننا عن الصدقات، وهي أوساخ أيدي الناس، فنكره أن نشرك فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل لنا.
فقام الخارجي وهو يقول: الله ما رأيت رجلا مثله، ردني والله أقبح رد وما خرج من قول صاحبه.
6 - سأل زنديق الامام الصادق (عليه السلام) فقال: ما علة الغسل من الجنابة وإنما أتى حلالا، وليس في الحلال تدنيس؟ فقال (عليه السلام): لان الجنابة بمنزلة الحيض وذلك أن النطفة دم لم يستحكم، ولا يكون الجماع إلا بحركة غالبة فاذا فرغ تنفس البدن، ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك: غسل الجنابة أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليتخبرهم بها
7- وسأله (عليه السلام) أبوحنيفة عن قوله:" والله ربنا ما كنا مشركين " (سورة الانعام: 23) فقال(ع): ما تقول فيها يا أبا حنيفة
 فقال: أقول إنهم لم يكونوا مشركين،
 فقال أبوعبدالله (عليه السلام): قال الله تعالى " انظر كيف كذبواعلى أنفسهم " فقال: ما تقول فيها يا ابن رسول الله؟
 فقال(ع): هؤلاء قوم من أهل القبلة أشركوا من حيث لا يعلمون.
8 - روى محمد بن طلحة عن سفيان الثوري قال: دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء وكساء خز فجعلت أنظر إليه تعجبا.
 فقال لي: يا ثوري مالك تنظر إلينا، لعلك تعجب مما ترى؟ فقلت: يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك!.
قال: يا ثوري كان ذلك زمان إقتار وافتقار، وكانوا يعملون على قدر إقتاره وافتقاره، وهذا زمان قد أسبل كل شئ عزاليه (وفور الخير وانتشار البركة وكثرة النعم وتفشى الرخاء)، ثم حسر ردن جبته فإذا تحتها جبة صوف بيضآء، يقصر الذيل عن الذيل، والردن عن الردن، وقال: يا ثوري لبسنا هذا لله تعالى وهذا لكم، وما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه.
9 -  عن داود الرقي قال: سألنى بعض الخوارج عن هذه الآية: " من الضان اثنين ومن المعز اثنين قل آالذكرين حرم أم الانثيين - ومن الابل اثنين ومن البقراثنين " (سورة الانعام الاية: 142 - 143) ما الذي أحل الله من ذلك؟ وما الذي حرم؟ فلم يكن عندي فيه شئ، فدخلت على أبي عبدالله وأنا حاج فأخبرته بما كان
 فقال(ع): إن الله عزوجل أحل في الاضحية بمنى الضان والمعز الاهلية، وحرم أن يضحى بالجبلية، وأما قوله " ومن الابل اثنين ومن البقراثنين " فان الله تبارك وتعالى أحل في الاضحية الابل العِراب (الابل العربية) وحرم فيها البخاتي (وهى الخراسانية) وأحل البقر الاهلية أن يضحى بها، وحرم الجبلية.
 فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بهذا الجواب، فقال: هذا شئ حملته الابل من الحجاز.
10 - عن عبدالله بن سنان قال: لما قدم أبوعبدالله (عليه السلام) على أبي العباس وهو بالحيرة خرج يوما يريد عيسى بن موسى فاستقبله بين الحيرة والكوفة ومعه ابن شبرمة القاضي فقال له: إلى أين يا أبا عبدالله؟ فقال: أردتك فقال: قد قصر الله خطوك قال: فمضى معه فقال له ابن شبرمة: ما تقول يا أبا عبدالله في شئ سألني عنه الامير فلم يكن عندي فيه شئ؟ فقال: وما هو؟ قال: سألني عن أول كتاب كتب في الارض.
 قال(ع): نعم إن الله عزوجل عرض على آدم ذريته عرض العين في صور الذر نبيا فنبيا، وملكا فملكا، ومؤمنا فمؤمنا، وكافرا فكافرا، فلما انتهى إلى داود (عليه السلام) قال: من هذا الذي نبأته وكرمته وقصرت عمره؟ قال: فأوحى الله عزوجل إليه هذا ابنك داود، عمره أربعون سنة، وإني قد كتبت الآجال، وقسمت الارزاق، وأنا أمحو ما أشاء واثبت وعندي ام الكتاب، فان جعلت له شيئا من عمرك أحلقته له قال:
يا رب قد جعلت له من عمري ستين سنة تمام المائة قال: فقال الله عزوجل لجبرئيل وميكائيل وملك الموت: اكتبوا عليه كتابا، فانه سينسى قال: فكتبوا عليه كتابا وختموه بأجنحتهم، من طينة عليين قال: فلما حضرت آدم الوفاة، أتاه ملك الموت فقال آدم: يا ملك الموت ما جاء بك؟ قال: جئت لاقبض روحك قال: قد بقي من عمري ستون سنة فقال: إنك جعلتها لابنك داود، قال: ونزل عليه جبرئيل وأخرج له الكتاب، فقال أبوعبدالله (عليه السلام): فمن أجل ذلك إذا خرج الصك على المديون ذل المديون، فقبض روحه .
11 - عن هشام الخفاف قال: قال لي أبوعبدالله (عليه السلام): كيف بصرك بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني،
 فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها
 قال: فقال: فان كان الامر على ما تقول فما بال بنات نعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة؟ قال: قلت: والله هذا شئ لا أعرفه، ولا سمعت أحدا من أهل الحساب يذكره،
 فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ قال: قلت: هذا والله نجم ما سمعت به ولا سمعت أحدا من الناس يذكره
 فقال: سبحان الله فأسقطتم نجما بأسره فعلى ما تحسبون!؟ ثم قال: فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوئه؟ قال: فقلت: هذا شئ لا يعلمه إلا الله عزوجل.
 قال: فكم القمر جزءا من الشمس في ضوئها؟ قال: فقلت: ما أعرف هذا قال: صدقت.
ثم قال: ما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، ويحسب هذا لصاحبه بالظفر، ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الاخر، فأين كانت النجوم؟ قال: فقلت: لا والله ما أعلم ذلك،
 قال: فقال (عليه السلام): صدقت إن أصل الحساب حق، ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم .
12 - سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال له: أليس الله حكيما؟ قال: بلى هو أحكم الحاكمين قال: فأخبرني عن قول الله عزوجل " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " (سورة النساء: 3) أليس هذا فرض!؟
 قال: بلى، قال: فأخبرني عن قوله عزوجل " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل " (سورة النساء: 129) أي حكيم يتكلم بهذا؟
 فلم يكن عنده جواب فرحل إلى المدينة إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فقال: يا هشام في غير وقت حج ولا عمرة! قال: نعم جعلت فداك لامر أهمني إن ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شئ، قال: وماهي؟ قال: فأخبره بالقصة فقال له أبوعبدالله (عليه السلام):
أما قوله عزوجل: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم أن لا تعدلوا فواحدة " يعني في النفقة.
وأما قوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة " يعني في المودة .
قال: فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب وأخبره قال: والله ما هذا من عندك.
13 - عن معاوية بن عمار قال: ماتت اخت مفضل بن غياث، فأوصت بشئ من مالها، الثلث في سبيل الله، والثلث في المساكين، والثلث في الحج فاذا هو لا يبقى ما يبلغ ما قالت، فذهبت أنا وهو إلى ابن أبي ليلى فقص عليه القصة فقال: اجعلوا ثلثا في ذا وثلثا في ذا وثلثا في ذا فأتينا ابن شبرمة فقال أيضا كما قال ابن أبي ليلى، فأتينا أبا حنيفة فقال كما قالا، فخرجنا إلى مكة فقال لي: سل أبا عبدالله (عليه السلام) ولم تكن حجة المرأة، فسألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقال لي: ابدأ بالحج فانه فريضة من الله عليها، وما بقي اجعله بعضا في ذا وبعضا في ذا.
 قال: فقدمت فدخلت المسجد واستقبلت أبا حنيفة وقلت له: سألت جعفر بن محمد عن الذي سألتك عنه فقال لي: ابدأ بحق الله أولا فانه فريضة عليها، وما بقي فاجعله بعضا في ذا وبعضا في ذا، قال: فوالله ما قال لي خيرا ولا شرا وجئت إلى حلقته وقد طرحوها وقالوا: قال أبوحنيفة: ابدأ بالحج فانه فريضة الله عليها!! قال: فقلت: هو بالله قال: كذا وكذا؟ فقالوا: هو خبرنا هذا.
14 - عن عيسى بن عبدالله القرشي قال: دخل أبوحنيفة على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له: يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم، قال: لا تقس، فان أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين " (سورة الاعراف: 12) فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار، عرف فضل ما بين النورين، وصفاء أحدهما على الآخر.
15- عن يونس، عن أبي جعفر الاحول قال: سألني رجل من الزنادقة فقال: كيف صارت الزكاة من كل ألف خمسة وعشرين درهما؟ فقلت له: إنما ذلك مثل الصلاة ثلاث وثنتان، وأربع!
 قال: فقيل مني، ثم لقيت بعد ذلك أبا عبدالله (عليه السلام) فسألته عن ذلك
 فقال(ع) : إن الله عزوجل حسب الاموال والمساكين فوجد ما يكفيهم من كل ألف خمسة وعشرين ولولم يكفهم لزادهم،
 قال: فرجعت إليه فأخبرته، فقال: جاءت هذه المسألة على الابل من الحجاز، ثم قال: لو أني أعطيت أحدا طاعة لاعطيت صاحب هذا الكلام .
16 - عن الكلبي النسابة قال: دخلت المدينة، ولست أعرف شيئا من هذا الامر، فأتيت المسجد، فاذا جماعة من قريش فقلت: أخبروني عن عالم أهل هذا البيت، فقالوا: عبدالله بن الحسن فأتيت منزله فاستأذنت فخرج إلي رجل ظننت أنه غلام له، فقلت له: استأذن لي على مولاك، فدخل ثم خرج، فقال لي: ادخل فدخلت فاذا أنا بشيخ معتكف شديد الاجتهاد، فسلمت عليه فقال لي: من أنت؟ فقلت: أنا الكلبي النسابة فقال: ما حاجتك؟ فقلت: جئت أسألك فقال: أمررت بابني محمد؟ قلت: بدأت بك فقال: سل!
 قلت: أخبرني عن رجل قال لامرأته: (أنت طالق عدد نجوم السماء).
 فقال: تبين برأس الجوزاء، والباقي وزر عليه وعقوبة فقلت في نفسي: واحدة(أي خطأ واحد في الجواب).
 فقلت: ما يقول الشيخ في المسح على الخفين فقال: قد مسح قوم صالحون، ونحن أهل بيت لا نمسح فقلت في نفسي: ثنتان
 فقلت: ما تقول في أكل الجري أحلال هو أم حرام، فقال: حلال إلا أنا أهل البيت نعافه، فقلت في نفسي: ثلاث،
فقلت: وما تقول في شرب النبيذ؟ فقال: حلال إلا أنا أهل البيت لا نشربه، فقمت فخرجت من عنده وأنا أقول: هذه العصابة تكذب على أهل هذا البيت، فدخلت المسجد فنظرت إلى جماعة من قريش وغيرهم من الناس، فسلمت عليهم ثم قلت لهم: من أعلم أهل هذا البيت فقالوا: عبدالله بن الحسن، فقلت: قد أتيته فلم أجد عنده شيئا، فرفع رجل من القوم رأسه وقال: ائت جعفر بن محمد (عليهما السلام) فهو عالم أهل هذا البيت، فلامه بعض من كان بالحضرة.
فقلت: إن القوم إنما منعهم من إرشادي إليه أول مرة الحسد، فقلت له:
ويحك إياه أردت فمضيت حتى صرت إلى منزله فقرعت الباب، فخرج غلام له فقال: ادخل يا أخا كلب، فوالله لقد أدهشني، فدخلت وأنا مضطرب ونظرت فإذا بشيخ على مصلى، بلا مرفقة ولا بردعة، فابتدأني بعد أن سلمت عليه فقال لي: من أنت؟ فقلت في نفسي: يا سبحان الله غلامه يقول لي بالباب: ادخل يا أخا كلب ويسألني المولى: من أنت!! فقلت له: أنا الكلبي النسابة، فضرب بيده على جبهته.
 وقال: كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، قد خسروا خسرانا مبينا، يا أخا كلب إن الله عزوجل يقول: (وعاد وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا) (سورة الفرقان الاية: 38) أفتنسبها أنت؟  فقلت: لا جعلت فداك،
 فقال لي: أفتنسب نفسك؟ قلت: نعم أنا فلان بن فلان بن فلان، حتى ارتفعت.
 فقال لي: قف ليس حيث تذهب، ويحك أتدري من فلان بن فلان؟ قلت: نعم فلان بن فلان قال: إن فلان بن فلان الرعي الكردي إما كان فلان الكردي الرعي على جبل آل فلان، فنزل إلى فلانة امرأة فلان من جبله الذي كان يرعى غنمه عليه، فاطعمها شيئا وغشيها، فولدت فلانا فلان بن فلان من فلانة وفلان بن فلان.
ثم قال: أتعرف هذه الاسامي؟ قلت: لا والله جعلت فداك، فإن رأيت أن تكف عن هذا فعلت فقال: إنما قلتَ فقلتُ، فقلت: إني لا أعود.
 قال: لا نعود إذا، واسأل عما جئت له.
 فقلت له: أخبرني عن رجل قال لامرأته أنت طالق عدد النجوم.
 فقال: ويحك أما تقرأ سورة الطلاق؟! قلت: بلى
 قال: فاقرأ . فقرأت (فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة) (سورة الطلاق: 1).
قال: أترى ههنا نجوم السماء؟ قلت لا، قلت: فرجل قال لامرأته أنت طالق ثلاثا
 قال: ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ثم قال: لا طلاق إلا على طهر من غير جماع، بشاهدين مقبولين، فقلت في نفسي: واحدة (أي جواب صحيح واحد) .
ثم قال سل. فقلت: ما تقول في المسح على الخفين؟ فتبسم ثم قال: إذا كان يوم القيامة، ورد الله كل شئ إلى شيئه، ورد الجلد إلى الغنم، فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم؟! فقلت في نفسي: ثنتان.
ثم التفت إلي. فقال: سل. فقلت: أخبرني عن أكل الجري؟ فقال: إن الله عزوجل مسخ طائفة من بني إسرائيل فما أخذ منهم بحرا فهو الجري والزمار والمار ماهي وما سوى ذلك، وما أخذ منهم برأ فالقردة، والخنازير، والوبر، والورل وما سوى ذلك، فقلت في نفسي: ثلاث ثم التفت إلي وقال: سل وقم. فقلت: ما تقول في النبيذ؟
فقال (عليه السلام): حلال فقلت: إنا ننبذ فنطرح فيه العكروما سوى ذلك، ونشربه فقال: شه شه، تلك الخمرة المنتنة فقلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟
فقال: إن أهل المدينة شكوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تغير الماء، وفساد طبائعهم، فأمرهم أن ينبذوا، فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كف من التمر فيقذف به في الشن فمنه شربه ومنه طهوره.
فقلت: وكم كان عدد التمر الذي في الكف؟ فقال: ما حمل الكف، فقلت: واحدة وثنتان؟ فقال: ربما كانت واحدة، وربما كانت ثنتين، فقلت: وكم كان يسع الشن؟
فقال: ما بين الاربعين إلى الثمانين إلى مافوق ذلك. فقلت: بالارطال؟ فقال: نعم أرطال بمكيال العراق .
قال سماعة: قال الكلبي: ثم نهض (عليه السلام) فقمت فخرجت وأنا أضرب بيدي على الاخرى، وأنا أقول: إن كان شئ فهذا، فلم يزل الكلبي يدين الله بحب أهل هذا البيت حتى مات .
17-  عن علي بن مهزيار، عن فضالة بن أيوب، عن أحمد بن سليمان جميعا، عن قرة مولى خالد قال: صاح أهل المدينة إلى محمد بن خالد في الاستسقاء فقال لي: انطلق إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فسله ما رأيك؟ فان هؤلاء قد صاحوا إلي، فأتيته فقلت له ما قال لي فقال لي: قل له: فليخرج! قلت له متى يخرج جعلت فداك؟
 قال: يوم الاثنين قلت له: كيف يصنع؟ قال: يخرج المنبر ثم يخرج يمشي كما يخرج يوم العيدين، وبين يديه المؤذنون في أيديهم عَنَزهم (قصبة أطول من العصا) حتى إذا انتهى إلى المصلى صلى بالناس ركعتين بغير أذان ولا إقامه ثم يصعد المنبر فيقلب رداءه، فيجعل الذي على يمينه على يساره والذي علي يساره على يمينه، ثم يستقبل القبلة، فيكبر الله مائة تكبيرة، رافعا بها صوته، ثم يلتفت إلى الناس عن يمينه، فيسبح الله مائة تسبيحة رافعا بها صوته ثم يلتفت إلى الناس عن يساره فيهلل الله مائة تهليلة رافعا بها صوته، ثم يستقبل الناس فيحمدالله مائة تحميدة، ثم يرفع يديه فيدعو، ثم يدعون، فاني لارجو أن لا يخيبوا، قال: ففعل، فلما رجعنا قالوا: هذا من تعليم جعفر، وفي رواية يونس: فما رجعنا حتى أهمتنا أنفسنا.
18- عن حماد بن عثمان قال: كان بمكة رجل مولى لبني امية يقال له: ابن أبي عوانة له عباءة وكان إذا دخل إلى مكة أبوعبدالله (عليه السلام) أو أحد من أشياخ آل محمد يعبث به، وإنه أتى أبا عبدالله (عليه السلام) وهو في الطواف فقال: يا أبا عبدالله! ما تقول في استلام الحجر؟ فقال: استلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقال: ما أراك استلمته قال: أكره أن أوذي ضعيفا أو أتأذى
 قال: فقال: قد زعمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استلمه
 قال: نعم، ولكن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا رأوه عرفوا له حقه، وأنا فلا يعرفون لي حقي .
19- كنز الفوائد للكراجكي: ذكر أن أبا حنيفة أكل طعام الامام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) فلما رفع (عليه السلام) يده من أكله قال: (الحمدلله رب العالمين اللهم إن هذا منك ومن رسولك). فقال أبوحنيفة: يا أبا عبدالله أجعلت مع الله شريكا؟
فقال له(ع) : ويلك إن الله تعالى يقول في كتابه: (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) (سورة التوبة: 74).
ويقول في موضع آخر: (ولو أنهم رضواما آتيهم الله ورسوله وقالوا: حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله) (سورة التوبة: 59)
 فقال أبوحنيفة: والله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله ولا سمعتهما إلا في هذا الوقت، فقال أبوعبدالله (عليه السلام): بلى قد قرأتهما وسمعتهما، ولكن الله تعالى أنزل فيك وفي أشباهك (أم على قلوب أقفالها) (سورة محمد : 24) وقال (سوره المطففين: 14): (كلابل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.
لقد كان عامة المسلمين وعلماؤهم يرون جعفر بن محمّد (عليه السلام) سليل النبوّة وعميد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً. فهو الرمز الشرعي للمعارضة التي قادها أهل بيت الوحي(عليهم السلام) ضد الظلم والطغيان الاُموي والعبَّاسي معاً.
كما كان العلماء يرونه بحراً زاخراً وإماماً لا ينازعه أحد في العلم والمعرفة واستاذاً فذاً في جميع العلوم التي عرفها أهل عصره والتي لم يعرفوها آنذاك.
لقد عايش الإمام الصادق (عليه السلام) الحكم الاُموي مدة تقارب (أربعة) عقود وشاهد الظلم والارهاب والقسوة التي كانت لبني اُمية ضد الاُمة الإسلامية بشكل عام وضد أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) وشيعتهم بشكل خاص.
وكان من الطبيعي ـ بعد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ـ أن يكون آل البيت هم الطليعة والقيادة المحبوبة لدى الجماهير المسلمة، ومن هنا بدأت فصائل العباسيين تتحرك باسم أهل البيت وتدعو إلى الرضا من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) وخلافة ذرية فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
لقد انسحب الإمام الصادق (عليه السلام) من المواجهة المكشوفة ولم تنطل عليه الشعارات التي كان يستخدمها بنو العباس للوصول إلى الحكم بعد سقوط بني اُمية بعد أن ازداد ظلمهم وعتوهم وارهابهم وتعاظمت نقمة الاُمة عليهم.
لقد سقط سلطان بني اُمية سنة ( 132 هـ ) ، ثمّ آلت الخلافة إلى بني العباس فعاصر حكم أبي العباس السفّاح وشطراً من حكم المنصور الدوانيقي بما يقرب من عشر سنوات.
لقد انصرف الإمام الصادق (عليه السلام) عن الصراع السياسي المكشوف إلى بناء الاُمة الاسلامية علمياً وفكرياً وعقائدياً وأخلاقياً، بناءاً يضمن سلامة الخط الاسلامي على المدى البعيد بالرغم من استمرار الانحرافات السياسية والفكرية في أوساط المجتمع الاسلامي.
ولقد انتشرت الفرق الاسلامية كالمعتزلة والاشاعرة والخوارج والكيسانية والزيدية في عصره واشتد الصراع بينها، كما بدأت الزندقة تستفحل وتخترق اجواء المجتمع الاسلامي فتصدى الإمام الصادق (عليه السلام) للردّ على الملاحدة من جهة وتصدى لمحاكمة الفرق المنحرفة من جهة اُخرى.
لقد اهتمّ الإمام (عليه السلام) ببناء الجماعة الصالحة التي تتحمّل مسؤولية تجذير خط أهل البيت في الاُمة الاسلامية إلى جانب اهتمامه ببناء جامعة أهل البيت الاسلامية وتخريج العلماء في مختلف فنون المعرفة ولا سيما علماء الشريعة الذين يضمنون للاُمة سلامة مسيرتها على مدى المستقبل القريب والبعيد ويزرعون بذور الثورة ضد الطغيان.
ولم يغفل الإمام (عليه السلام) عن تقوية الخط الثوري والجهادي في أوساط الاُمة من خلال تأييده لمثل ثورة عمه زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) ومن تلاه من ثوار البيت العلوي الكرام.
ولم يكن الإمام الصادق (عليه السلام) ليسلم من هذه المحنة ـ محنة الثورة على الظلم العباسي ـ فقد كان المنصور يطارده الخوف من الإمام الصادق (عليه السلام) ويتصور أنَّه اليد التي تحرّك كل ثورة ضد حكمه، مما أدى إلى استدعائه إلى العراق أكثر من مرة وضيّق عليه وأجرى عليه محاكمة يجل الإمام عن مثلها ليشعره بالرقابة والمتابعة ثمَّ خلّى سبيله. بل قد ذكرت بعض المصادر أن المنصور قد نوى قتله أكثر من مرَّة الا أن الله سبحانه حال بينه وبين ما أراد.
وهكذا عاش الإمام الصادق (عليه السلام) الفترة الأخيرة من حياته ـ وبعد أن استقرت دعائم الحكم العباسي ـ حياة الاضطراب والارهاب، وفي جوّ مشحون بالعداء والملاحقة، إلاّ انه استطاع أن يؤدي رسالته بحكمة وحنكة وقوّة عزم ويفجّر ينابيع العلم والمعرفة ويبني الاُمة الاسلامية من داخلها ويربّي العلماء والفقهاء الاُمناء على حلاله وحرامه ويشيد بناء شيعة أهل البيت الذين يمثّلون الجماعة الصالحة التي عليها تتكئ دعائم الخطّ النبوي لتحقيق مهامّه الرسالية بعد أن عصفت الرياح الجاهلية بالرسالة الخاتمة وتصدّى لقيادة الاُمة رجال لم يكونوا مؤهلين لذلك.