شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

الزواج السماوي والأرضي

0 المشاركات 00.0 / 5

عندما نأتي إلى زواج فاطمة الزهراء (ع) بأمير المؤمنين (ع) فلابد أن نسجل بعض الحقائق المهمة في هذا المجال:
الحقيقة الأولى: إن بعض الصحابة قد تقدم لخطبة الزهراء (ع) ولكن النبي (ص) تعلل لهم بصغر سنها، ولم يذكر هذه العلة في حق أمير المؤمنين (ع)، مما يعني أنه لم يكن أحد من الصحابة كفؤ لفاطمة (ع) سوى أمير المؤمنين (ع)، وقد روى الحاكم النيشابوري في المستدرك بسنده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله (ص): «إنها صغيرة، فخطبها علي فزوجها».
قال الحاكم النيشابوري:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي في التلخيص: على شرط البخاري ومسلم. (المستدرك على الصحيحين ج2 ص181 ح2705/34 بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا)
- بل روايات أهل البيت (ع) تؤكد أن شأن الزهراء (ع) أرفع من ذلك بما لا يقبل القياس فقد روى الشيخ الصدوق عن الإمام الرضا (ع): عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع): عن رسول الله (ص)عن جبرائيل (ع) عن الله عز وجل أنه قال:لو لم أخلق عليا لما كان لابنتك فاطمة كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه. (عيون أخبار الرضا ج2 ص203 ح3)
الحقيقة الثانية: إن زواج أمير المؤمنين (ع) من فاطمة الزهراء (ع) لم يكن الاختيار فيه لرسول الله (ص)، بل كان أمرا إلهيا امتثله رسول الله (ص)، فقد روى الطبراني بسنده عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله (ص) قال:«إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي».
قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (مجمع الزوائد ج9 ص204، وراجع الكافي ج5 ص568 ح54، وعيون أخبار الرضا ج1 ص177 ح3و4)
الحقيقة الثالثة: إن زواج الزهراء (ع) من أمير المؤمنين (ع) كان منعقدا في السماء قبل أن يعقد في الأرض، وهناك روايات متواترة إجمالا من طرق الفريقين في هذا الأمر، أكتفي باثنتين منها اختصارا.
- فقد روى الأربلي عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:  «لما زوج رسول الله (ص) فاطمة (ع) من علي (ع) كان الله تعالى مزوجه من فوق عرشه، وكان جبرائيل الخاطب وكان ميكائيل وإسرافيل في سبعين ألفا من الملائكة شهودا، وأوحى الله إلى شجرة طوبى: أن انثري ما فيك من الدر والياقوت واللؤلوء، وأوحى الله إلى الحور العين أن التقطنه، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة فرحا بتزويج فاطمة عليا». (كشف الغمة ج1 ص472، عنه عوالم سيدة النساء ص278 ح7)
- وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله (ص) أنه قال:
«يا فاطمة لما أراد الله تعالى أن أملكك بعلي أمر الله تعالى جبرائيل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفا ثم خطب عليهم، فزوجك من علي، ثم أمر الله سبحانه شجر الجنان فحملت الحلي ثم أمرها فنثرته على الملائكة، فمن أخذ منهم شيئا أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة». (تاريخ بغداد ج4 ص129، عنه عوالم سيدة النساء ص286)

مهر الزهراء (ع)

عندما نعقد مقارنة بين الروايات الواردة في الاحتفالات السماوية في زواج الزهراء (ع) والاحتفالات الأرضية نلاحظ الفرق الكبير بينهما، ففي الأولى نلاحظ كل مظاهر الفخامة والتوسع بينما في الثانية نرى البساطة والكفاف، وهذا يعني أن قيمة زواج أمير المؤمنين (ع) من الزهراء (ع) ليس في الشكل الصوري في عالم الدنيا بل في النورانية التي فيه، ومن ثم انعكست بعض مظاهر تلك النورانية في شكل الاحتفال السماوي، ولانجد في الروايات أنه قد تحقق زواج في السماء قبل الزواج في الأرض كما اختصت به فاطمة (ع)، كما لا نجد في الروايات ما يضاهي ما ورد في شأن زواج الزهراء (ع) من تكريم وتبجيل.
- ومن مظاهر ذلك التفاوت مابين الصورة الأرضية والحقيقة السماوية ما جاء حول مهر الزهراء (ع)، فالروايات التي تطرقت لمهرها تشير إلى أنها كانت ما بين 400 – 500 درهم، وقد عقد الكليني بابا في الكافي بعنوان (باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة عليهما السلام) أورد فيه بعض الروايات التي تشير إلى بعض ما تضمنه الصداق، فمنها ما رواه بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع) قال:«زوج رسول الله عليا فاطمة على درع حطمية، وكان فراشها إهاب كبش يجعلان الصوف إذا اضطجعا تحت جنوبهما». (الكافي ج5 ص377 ح3، وقيل: سميت بذلك لأنها تحطم السيوف أي تكسرها، وقيل هي العريضة الثقيلة، وهي منسوبة إلى بطن من عبد قيس يقال: حطمة بن الحارث كانوا يستخدمون الدروع، راجع الحدائق الناضرة ج21 ص487)
ومنها ما رواه بسند صحيح عند بعض علمائنا (ممن يعمل برواية سهل بن زياد) عن الإمام الصادق (ع) قال:«إن عليا تزوج فاطمة (ع) على جرد برد ودرع وفراش كان من إهاب كبش». (الكافي ج5 ص377 ح1، والجرد هو الخلق والبالي، والإهاب هو الجلد)
- هذا هو مهرها في الأرض، أما مهرها في السماء فهو المتناسب مع بعض عظمتها (ع)، فقد روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن الإمام الصادق (ع) أن رسول الله (ص) قال:
«إن الله تبارك وتعالى لما زوجت فاطمة عليا (ع) أمر أشجار الجنة أن تنثر عليهم من حليها وحللها وياقوتها ودرها وزمردها واستبرقها، فأخذوا منها ما لا يعلمون، ولقد نحل الله طوبى في مهر فاطمة (ع) فجعلها في منزل علي (ع). »(الأمالي ص362 المجلس 48 ح3)
وروى الشيخ الطوسي بسنده عن الإمام الصادق (ع) قال: «إن الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار، تدخل أعداءها النار، وتدخل أولياءها الجنة». (الأمالي ص668 المجلس 36 ح6)
والملاحظ في هذه الرواية أنها جعلت مهرها ربع الدنيا، وهي أشمل من الأرض، فما تضمنته بعض الروايات من قياس النسبة إلى الأرض باعتبارها أحد أجزاء الدنيا فتأخذ حكمها، أو باعتبار أن بني آدم موطنهم الأرض وهم موضع التكليف فيما يرتبط بمحبة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية