استنهاض الأنصار للدفاع من الحق

ولكلِّ نبأٍ مستقر ، فسوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يخزيه ، ويحلّ عليه عذابٌ مقيم .
ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت :
يا معشرَ النقيبة ! وأعضاد الملّة ! وحضنة الإسلام :
ما هذه الغَميزة في حقّي ؟
والسِنة عن ظُلامتى ؟ أما كان رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أبي يقول : ( المرء يُحفظ في ولده ) ؟
سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالةٍ ، ولكم طاقة بما أُحاول ، وقوّة على ما أطلب وأُزاول .
أتقولون : مات محمّد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فخطب جليل ، استوسع وهنه واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكُسفت النجومُ لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأُضيع الحريم ، وأُزيلت الحرمة عند مماته .
فتلك ـ واللهِ ـ النازلة الكبرى والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة أعلن بها كتاب الله ـ جلّ ثناوه ـ في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم ، هتافاً وصراخاً ، وتلاوةً وألحاناً ، ولقبله ما حلّ بأنبيائه ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم :  ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )
إيهاً بني قيلة ! أأُهضم تراث أبي ؟ وأنتم بمرأى منّي ومسمع ، ومنتدى ومجمع تلبسكم الدعوة وتشملكم الخبرة وأنتم ذوو العدد والعدّة ، والآداة والقوة ، وعندكم السلاح والجنّة توافيكم الدعوة فلا تجيبون ؟ وتأتيكم الصرخة فلا تعينون ؟ وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح والنخبة التي انتخبت ، والخيرة التي اختيرت ، قاتلتم العرب وتحمّلتم الكدَّ والتعب ، وناطحتم الأُمم ، وكافحتم البهم ، لانبرح أو تبرحون نأمركم فتأتمرون .
حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حلب الأيّام ، وخضعت ثغرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوسق نظام الدين .
فأنّى حزتم بعد البيان ؟ وأسررتم بعد الإعلان ؟ ونكصتم بعد الإقدام ؟

ولأنـبـائها  بـذات  صـباحٍ
مـستقرٍّ إلـى هـناك انتهاها
وغـداً  تـعلمون مَـن يتلظّى
بـعذابٍ يـخزيه في أُخراها
ثمّ مالت بطرفها طرفَ الأنصار
والـقومُ  فـي عـظيم كـراها
مـعشرَ  الـنّصرِ والنّقيبةِ  إيهٍ
بـالأعـضاد مـلّة  وقـواها
أيّـها  الحاضنون راية دين  الله
تـحـمون عِـزّهـا  وعُـلاها
عـجباً هـذه الـغميزةُ  والغفلةُ
مـن  جـمعكم بـحقّي  أراهـا
مالكم  عن ظلامتى في  منامٍ
لا تـردّون ضرّها وأذاها
يُحفظ  المرءُ في بنيه  أماكان
يـقول  الرّسول مَن  يرعاها
فـلعجلان ذا إهالة !  فانظر
كيف سرعان ما قلبتم بناها
ولـكم طـاقة وقـوّة  رهطٍ
لـلّتي قد طلبتُ منكم أداها
أتـقولونَ  قـد تُـوفيَ  طه
فاندفعتم إلى الورا  عقباها
فـلقد  جـلّت المصيبةُ  واللهِ
وهـدّت مـن الجميع  قواها
وقـد  اسـتنهر الفتيقُ  عريضاً
مـثلما اسـتنفق الرّتيقُ  وراها
غابَ والأرضُ أظلمت وادلهمّت
ونـجومُ الـسّماء غارَ  ضياها
وعـروشُ الآمالِ مالت  وزالت
عـن قـلوب المؤمِّلينَ  مناها
خـشعت ذروةُ الجبال وضاعت
حُـرماتُ الإسـلام بعد  إباها
وأُزيـلـت  بـموته وأُبـيحت
حـرمةٌ كـان ربّـنا  أغـلاها
تـلك  واللهِ في النّوازلِ  عظمى
وقـعةٍ لـن يـكرّ مثل  بلاها
وهي عظمى مصيبةٍ لن يرى الدّهر
قـريـنـاً  لـهـا ولا  أشـبـاها
لـيس مـن بـائقات سودِ  اللّيالي
مـثل مـا عجّلت عليكم  سواها
ولـقد أعـلن الـكتابُ  الـسّماويُّ
بـأحـداثها  وســوءِ  انـقضاها
وعـليكم تُـتلى صـباحاً  مـساءً
آيــة الــردّة الّـتي  أنـباها
ولـقـبل  الـنّبي مـاحلَّ  قِـدْماً
بـالنّبيّين مـن عـظيم  بـلاها
فـصـل  حـكم مـقرّرٍ  وبـلايا
حـتّم الله مـن قـديمٍ  قـضاها
إنّما المصطفى الأمينُ رسولٌ
قـد خـلت قبل بعثه  أنبياها
أفـإن مـاتَ أو تُـوفِّي  قتلاً
لانـقلبتم إلى الوراء  وراها
ولـمَن يـنقلبْ عـلى  عقبيه
ويـولِّي فـلن يـضرّ  الإلها
وسـيجزي  الّذي أتاه  شُكوراً
جـنّةَ الـخُلْدِ نـعمةً ورفاها
يـا بـني قـيلةَ الـنّجدة  إيهٍ
أوَ هل أُهضمَن في إرثِ  طه
ولأَنـتم بـمسمعٍ مـن  ندائي
وبـمرآي جـمعكم وقـواها
تـتغشّاكم  الـدعاوةُ  للنّصر
ويُـنمى لـسمعكم  أنـباها
ولأَنـتم  ذو عـدّةٍ  ولـديكم
عـددٌ تـتّقي العدا  بأساها
فــأداةٌ  وقـوّةٌ لا تُـبارى
وسـلاحٌ وجنّةٌ لا تُضاهى
أسكوتٌ ودعوة الحقّ  صكّت
سورَ آذانكم ودوّى  صداها
أجـمودٌ ودعوة العدل  هزّت
مـجدَ تاريخكم ورنّ  نداها
أوَ لستم على الصّلاح عرفتم
وبسيفِ الكفاح في  هيجاها
نـخبةُ  الـنّاصرين للحقِّ  كنتم
خيرة المصطفى الّتي استصفاها
أوَ لـستم قـاتلتم الـعُرْبَ  حتّى
ردّ بـأسائها بـصدر  أسـاها
وتـحـمّلتم  الـمتاعب  دهـراً
وتـحـمّلتموا عـظيمَ  عـناها
وتـنـاطحتموا  بـدون  تـوانٍ
أُمـمَ الأرضِ فـي بعيد  قُراها
وصـددتـم مـكافحينَ  عـلوجاً
بـهما لا تـخاف مَـن  يلقاها
فـلنا  الأمـرُ حـيثُ كنّا ومنكم
حـيثُ كـنتم إطـاعة  عشناها
ذاك حتّى رحى الشّريعة دارتْ
حـينَ دارت بنا مدار  رحاها
حلب الدّهرُ درَّ خيراً  وغاضتْ
نعرةُ الشّرك وانتهى  غوغاها
وخـبا الـكفرُ والشِّقاق وقرّتْ
فـورةُ الإفْكِ وانمحى  غلواها
وهـديرُ  الهرْجِ استقرَّ  وقامتْ
نُـظُمُ الـدّين فـي أتمِّ  بناها
كـيف  بعد البيان حرتم  وأنّى
قـد نكصتم إلى الوراء  تياها
كـيف أخـفيتموا الولايةَ  سرّاً
بـعد إعـلانها ورفـعِ  لواها