شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

هكذا قالوا في كُنى الزهراء فاطمة عليها السلام

0 المشاركات 00.0 / 5

معنى الكُنْية ومعنويّتها
قيل: إنّ الكُنْية من الكناية، وكَنّى به: أي تكلّم بما يُستدَل به عليه. والكنية مِن مفاخر العرب وعاداته، وهم يستعملونها توقيراً وتعظيماً وتكريماً للمكنّى، حتّى أنّهم يفضّلون الكنية أحياناً على اللقب، قال الشاعر:

أُكنّيـهِ حتّـى أُناديـهِ لأُكرمَـهُ                   ولا أُلقّبُـه واسَــوأةَ اللَّقَبــا!
كذاك أُدِّبتُ حتّى صار مِن خُلُقي         إنّي وجدتُ ملاكَ الشيمةِ الأَدبـا

وكتب العلاّمة المجلسي: الكنية للمولود في المهد علامة الشرف، بل هي مستحبّة، وقد رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: « إنّ الأطفال كانوا يُكنَّون منذ الولادة في صدر الإسلام » ( بحار الأنوار 195:43 / ح 23 ـ الباب 7 ). وفي الحديث المعتبر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كنّى الحسينَ عليه السلام يومَ ولادته بـ « أبي عبدالله » ( مطالب السَّؤوال لابن طلحة الشافعي:70، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي:170 )، وممّا نُسِب إلى الإمام عليّ عليه السلام من الشِّعر قولُه:

نحنُ الكرامُ بنو الكرام         وطفلُنا في المَهْدِ يُكْنى
إنّـا إذا قعَـدَ اللئـام               على بساطِ العِزِّ قُمْنـا

كُنى الصدّيقة الزهراء عليها السلام
وهي عديدة، بعضها اشتهر، وبعضها لم يشتهر.. مثل: أم اسماء، قيل: باعتبار أنّها أمّ الأئمّة الأطهار صلوات الله عليها وعليهم ما اختلف الليل والنهار، وهم مظاهر أسماء الله الحسنى، فهي « أمّ الأسماء »، قال المجلسي: وكانت فيما قيل تُكنّى بـ « أم أسماء. ويستفاد من بعض القرائن أنّ هذه الكنية الشريفة أُطلقت عليها أوائل أيّام ولادتها المباركة قبل الهجرة. ( يراجع: بحار الأنوار 8:43 / ح 12 ـ الباب الأوّل، و 4:25 / ح 7 ـ الباب 1، و 37:27 / ح 5 ـ الباب 14، وفيه ورد قولهم عليهم السلام: « نحنُ أسماءُ الله الحسنى » ).
وممّا لم يشتهر من كناها سلام الله عليها أيضاً: أمّ الهناء، حيث أورد هذه الكنية الشريفة الشيخ الحرّ العاملي في منظومته، حيث قال فيها:

وقد رَوَوا كُنيتَها أمَّ الهنا         أمّ الأئمّةِ الهُـداةِ الأُمنـا

والهناء: الحياة الطيّبة، ولمّا كانت هذه الكنية من مختصّات الصدّيقة الطاهرة فاطمة عليها السلام لُوحظ فيها شؤونها الذاتيّة، ومَلَكاتها القدسيّة، وربّما قُصد بها أنها سلام الله عليها كانت هناءً لأبيها رسول الله صلّى الله عليه وآله ولأسرتها أمير المؤمنين وأبنائه الميامين سلام الله عليهم أجمعين، بل ولكلّ مَن والاها وودّها واعتقد بفضائلها ورفيع منازلها ومقاماتها صلوات الله وسلامه عليها.
وكذلك ممّا لم يشتهر من كُناها الشريفة: « أمّ العلوم »، فهذه الكنية تشير إلى كثرة علومها واتّساع معارفها، فهي ابنة سيّد الأنبياء والمرسلين، وقرينة سيّد الوصيّين، وأمّ الأئمّة الميامين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهي التي نشأت في بيت الوحي والنبوّة والرسالة، حتّى كان من فضلها قولها لأمير المؤمنين عليه السلام: « ولو أردت حدّثتُك عن علوم الأوّلين والآخِرين ».
و « أمّ الفضائل » كنيةٌ شريفةٌ أخرى ذكرها الشيخ محمّد رضا بن محمّد مؤمن الخاتون آبادي في كتابه ( جَنّات الخلود )، ومَن لا يُقرّ أنّ الصدّيقة الزهراء قد حَوَت كلَّ الفضائل، بل تشرّفت الفضائل أن تنتميَ إليها وتُنسَب، جميعها: ذاتيّةً وخارجية.. فلها شرف النسب، وزوجها أمير المؤمنين، وأولادها أزكى الأئمّة الطاهرين، وقد انعقدت نطفتها من ثمار الجِنان، وعُقِد زواجها مِن قِبل الرحمان، وهي الحوراء الإنسية، والراضية المرضيّة، والذات المكلوتيّة.

وأمّا ما اشتهر
من كُنى فاطمة الزهراء عليها السلام: فـ « أُمّ أبيها »، ذكر ذلك أبو الفَرَج الأصفهاني في ( مقاتل الطالبيّين:57 ) عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « إنّ فاطمة تُكنّى بأمِّ أبيها »، وفي ( كشف الغمّة 88:2 ) للأربلّي: إنّ النبيّ كان يحبّها ويُكنّيها بـ « أمّ أبيها ».
ويأتي التساؤل: كيف تكون البنت أُمّاً لأبيها ؟ ثمّ ما معني الأمّ يا تُرى ؟ قيل: الأُمّ هي القصد، مِن: أَمّ يَؤُمّ، أي قَصَد، وفي كتاب الله تعالى: ولا آمِّينَ البيتَ الحرام [ سورة المائدة:2 ]، كما قيل: الأُمّ هي الأصل.
وأمّا « أمّ أبيها » فهي كنية انصرفت الأذهان في بيانها إلى وجوه عديدة، منها:

أوّلاً ـ إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام هي ثمرة شجرة النبوة، وحصيلة قدسيّة من عمر رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهي البنت الوحيدة التي كان يقصدها النبيّ وينتظر منها نسلَه المبارك وأوصياءَه الطيّبين، فهي القصد وهي الأصل، وقد أُثر عنه صلّى الله عليه وآله قوله: « فاطمةُ رُوحي ومهجة قلبي، فاطمة منّي وأنا من فاطمة ».

ثانياً ـ من الشائع أن يخاطب الأب أولادَه بكلمة ( بابا ) = ( أبتا )، وبناته بكلمة ( ماما ) = ( أُمّاه )، وهذا النوع من التعبير شائعٌ عند العرب وغيرهم أيضاً، فيكون الاستعمال مجازيّاً يحكي عن شدّة المحبّة والحنان.

ثالثاً ـ تُوفّيت آمنة بنت وهب رضوان الله عليها ـ وكانت موحِّدةً على ملّة أبيها إبراهيم الخليل عليه السلام ـ وابنُها محمّدٌ صلّى الله عليه وآله دونَ سنّ الصِّبا، فكَفِلَتْه فاطمةُ بنتُ أسد رضوان الله تعالى عليها زوجة أبي طالب عليه السلام، فخدَمَتْه خدمةً جليلة، حتّى إذا تُوفّيت حَزِن عليها حزناً شديداً وكان يناديها بـ « أمّي »، ولمّا رحلت قال لولدها عليٍّ عليه السلام: « إنها كانت أمّي » ( بحار الأنوار 232:6 / ح 44 ). حتّى إذا أشرقت فاطمة الزهراء عليها السلام على الوجود عامّة، وعلى أبيها رسول الله خاصّة، كانت بحنانها وشفقتها وخدمتها لأبيها في مقام الأمّ الرؤوم الحانية، فأصبحت ـ بعد أمّه آمنة وأمّه فاطمة ـ أُمّاً لأبيها أبي فاطمة.

رابعاً ـ لم يكن لأحدٍ فضلٌ إلاّ وأهل البيت عليهم السلام أصله ومَعدِنه، وأفضليّته، فلمّا نزل قوله تبارك وتعالى: النبيُّ أَولى بالمؤمنين مِن أنفُسِهِم وأزواجُه أُمَّهاتُهم [ سورة الأحزاب:6 ]، فلابدّ أن يُعرَف لابنة النبيَّ فضلٌ أسمى وأفضليّةٌ كبرى، وشرفٌ أعلى، ومقامٌ أجلى، فضمّها إلى صدره الشريف وكنّاها بـ « أمّ أبيها ».

 

وأمّا ألقابها القُدسيّة
فهي كثيرة، وسماويّة المصدر، ونبويّة الإطلاق.. تعاطتها القلوب والألسن بإجلالٍ وإكبارٍ وإعظام، فهذه الألقاب الشريفة: الزهراء، أمَة الله، سيّدة النساء، الشهيدة، الراضية، المرضيّة، التقيّة، العابدة، مشكاة الأنوار، البتول.. حتّى تبلغ أكثر من ( 130 ) لقباً من ألقابها: القرآنيّ والحديثيّة والزيارتيّة، والدعائيّة.. وكلّها عابق نورانيّة، يطمئنّ لها القلب أنّها تشير إلى وليّة لله صادقة عابدة، طاهرة نقيّة تقيّة معصومة، ترتقي إلى الأفق الأعلى، فهي بَضعة سيّد الكائنات، وللبعض حُكم الكلّ في الشرف والرفعة والجلال.
فسلامٌ على سيّدتنا ومولاتنا فاطمة سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخِرين. وسلامٌ عليها وعلى أبيها أشرف المرسلين، وعلى زوجها سيّد الوصيّين، وأبنائها السادة الميامين. وسلامٌ عليها في الدنيا والآخرة، وما كان للوجود وجود، وللحياة حياة، عددَ الأنفاس ولمحِ العيون، وما تعاقب الليل والنهار، وصلّى الله على محمّد وآله الأطهار.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية