العِصْمة الكبرى

بـمولدِ بـنتِ المصطفى لكمُ البشرى         فَـذي نِـعَمُ الـباري عليكُم بها تَتْرى
فَـحُقَّ لـكم أن تـعقدوا نـاديَ الَهنا         بـذِكرِ أيـاديها وأوصـافِها الغَرا(1)
ولـن يستطيع الخَلقُ إحصاءَ فضلِها         كـما لم يُحيطوا بالذي قد حَوَت خُبْرا
وهـيهاتَ أن يُـحصُوا أيادي كريمةٍ         لِـخَلْقِ جـميعِ الـكائناتِ غَدَت سِرّا
فـما فـي نـساءِ الـعالمينَ مُـماثِلٌ         إلـيها، ولا شِبْهٌ، ولا مريمُ العَذْرا(2)
وهـل فـي نـساء العالمينَ نظيرُها         فـمَن ذا تُـرى مِـنهُنّ إنسيّةٌ حَورا!
وخـيـرُ نـساءِ الـعالمينَ تَـنَزَّلَت         إلى الأرضِ في بِشْرٍ لكي تُقْبِلَ الزَّهرا
ومـريمُ عيسى أعقَبَت، وهي أعقَبَتْ         هُـداةً يَـرى عـيسَى آتّباعَهَمُ فَخرا
وإنْ تَـكُ نـادَتها الـملائك بآصْطِفا         إلـيها، وتـطهيرٌ لـها أوجَبَ الفَخرا
فـفاطمُ نـادتها بـذاك، وأيـنَ مـا         بـه نُـودِيَت مِـمّا به نُودِيَت قَدْرا!

* * *

فـسَلْ آيـةَ التطهيرِ عن فضلِ فاطمٍ         فقد أُعطِيَت مِن ربِّها العصمةَ الكبرى
هي العصمةُ الكبرى التي اللهُ ما حَبا         بـها غـيرَ طه والوصيّينَ والزهـرا
فـلولا عـليٌّ لـم يـكن للبتولةِ مِن         شـبيهٍ وكُـفْوٍ من بَني آدمٍ طُرّا(3)
فـكُلٌّ بـراهُ اللهُ مِـن نـورِ أحـمدٍ         فـكلُّ بـكُلٍّ حيثُ شابَهَت أحْرى(4)

* * *

لَـعَمْرُكَ ما الدنيا سوى عُمرِ ساعةٍ         حَـوَت مَكْرُماتٍ لا تُحيط بها خُبْرا
ومـا هـيَ إلاّ سـاعةٌ شَمْلُ حَيْدرٍ         بـفاطمَ مجموعٌ.. فقد طَوَتِ الدهرا
هي النورُ من نورٍ، وبالنورِ زُوِّجَتْ         تـبارك ربٌّ فـيهما جَـمَع الخَيرا
فـنورُ عـليٍّ قـد غشى نورَ فاطمٍ         فـأولَدَها نـجماً.. وأعـقَبَها بَـدرا

* * *

أضـاءَت بـها الأكـوانُ والأرضُ والسَّما         قـديماً.. وفي الدنيا.. وفي النشأةِ الأُخـرى
ومـا زال فـي الأدوارِ يُـشرقُ نـورُهـا         ومِن أجلِ ذاك النورِ سُمِّيتِ « الزَّهْرا »(5)
كـمـا اللهُ سَـمّـاها بـفـاطمَ إذ قـضى         بـفَطْمِ مُـحبيّها مِـن الـنارِ في الأخـرى
بـــأمِّ أبـيـهـا كُـنِّـيَت إذ بـفـاطـمٍ         بَـقي ذِكـرُها فـي الناس والملّة الغَرا(6)
عـلـيكم ســلامُ اللهِ تَـتْـرى مُـسَلِّمـاً         كـما لـم تَزَل في الخَلقِ أيديكمُ تَتْرى (7)

----------

1 ـ الأيادي: الأفضال والعطايا.
2 ـ في آخِر وصاياه.. قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عليّ، هذه واللهِ سيّدةُ نساء أهل الجنّة مِن الأوّلين والآخِرين، هذه واللهِ مريمُ الكبرى.. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 484:22 / ح 31 ).
3 ـ نزل بذلك جبرئيل الأمين مِن عند ربِّ العالمين، حيث قال: يا محمّد، إنّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلُقْ عليّاً لَما كان لفاطمةَ ابنتِك كفوٌ على الأرض، آدم فمَن دونَه. ( بحار الأنوار 92:43 / ح 3 ـ عن: عيون أخبار الرضا عليه السّلام للشيخ الصدوق ).
4 ـ بَراه: خَلَقَه.
5 ـ في الرواية النبويّة المباركة أنّ الله جَلّ وعلا تكلّم بكلمةٍ فخَلَق منها روحاً، ثمّ تكلّم بأخرى فخَلق منها نوراً، فأضاف النورَ إلى تلك الروح وأقامها مقامَ العرش، فزهرت المشارق والمغارب، فهي فاطمة الزهراء؛ ولذلك سُمِّيت بـ « الزهراء »؛ لأنّ نورها زهَرَت به السماوات.
6 ـ في ( أُسْد الغابة 520:5 ) كتب مؤلّفه ابن الأثير: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان قد كنّى ابنتَه فاطمة بـ « أمّ أبيها ».
7 ـ نقلاً من: ديوان الشيخ علي بن حسن الجشّي ص 76.