شَذَراتٌ نورانيّة (52)

الرحمة ـ تتمّة

• وإذا كان للرحمة الإلهيّة موجبات، فإنّ لها كذلك موانع، يُلخّصها لنا أميرالمؤمنين عليه السلام في كلمات، حيث يقول:
ـ « مَن لم يرحمِ الناسَ منَعَه الله رحمتَه » ( غرر الحكم: 293 ).
• وإذا كانت الرحمة بيد الله الرحيم، فلماذا لا نتعرّض لها ؟ ولكن بماذا ؟
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « تَعرّضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته » ( تنبيه الخواطر: 360 ).
• وهنالك رحمات من الله جلّ وعلا نازلة لأسبابٍ وحِكم، كان للإمام عليّ عليه السلام فيها كلمات، منها قوله:
ـ « رَحِمَ اللهُ امرأً عَرَف قَدْرَه، ولم يَتَعدَّ طَورَه » ( عيون الحكم 193:6 ).
ـ « رحمَ الله عبداً راقب ذنبَه، وخاف ربَّه » ( غرر الحكم: 181 ).
ـ « رَحِم الله امرأً اتّعظ وازدَجَر، وانتفع بالعِبَر » ( عيون الحكم 194:6 ).
ـ « رحم الله أمرأً قمع نوازعَ نفسه إلى الهوى فصانها، وقادها إلى طاعة الله بِعِنانِها » ( غرر الحكم: 181 ).
ـ رحم الله امرأً أخذ من حياةٍ لموت، ومن فَناءٍ لبقاء، ومن ذاهبٍ لدائم » ( عيون الحكم 194:6 ).
ـ « رحم الله امرأً تورّع عن المحارم، وتحمّل المغارم، ونافَسَ في مبادرة جزيل المغانم » ( شرح غرر الحكم 46:4. قال الشارح: المغارم: الديون، ونافس: رغب فيه على وجه المباراة ).
ـ « رحم اللهُ امرأً سَمِع حُكماً فوعى، ودُعيَ إلى رشادٍ فَدَنا، وأخَذَ بحُجزة هادٍ فنجا » (تحف العقول: 213. الحُجْزة: مَعقِد الإزار، وأخذ بحجزته: اعتصم به والتجأ إليه مستجيراً).

 

الرَّحِم

• ويُراد بها صِلتُها باللقاء والإعانة والمحبّة، وذلك أمرٌ محبوب، بل واجب وممدوح ومَدْعوّ إليه، ومحاسَبٌ عليه، قال تعالى:
ـ « إنَّ اللهَ يأمُرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى.. » [ النحل: 90 ].
ـ « واتّقُوا اللهَ الذي تَساءَلونَ بهِ والأرحامَ.. » [ النساء: 1 ].
ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: « هي أرحام الناس، إنّ الله عزّوجلّ أمر بصِلتها وعظَّمَها، ألا ترى أنّه جعلها منه » ( الكافي 150:2 ).
ـ « والذينَ يَصِلون ما أمَرَ اللهُ به أن يُوصَل.. » [ الرعد: 21 ].
ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: « مِن ذلك صلةُ الرحم، وغاية تأويلها صِلتُك إيّانا » ( بحار الأنوار 98:74 / ح 40 ـ عن: تفسير العيّاشي 208:2 ).
ـ وجاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « إنّ أعجلَ الخير ثواباً صِلةُ الرحم » ( بحار الأنوار 121:74 / ح 83 ـ عن: الكافي 152:2 ).
• وهنالك آثارٌ كثيرة طيّبة لصلة الرحم، تبيّنها الروايات الشريفة التالية:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « صلّةُ الرحم تَزيد في العمر، وتَنفي الفقر » ( بحار الأنوار 88:74 / ح 2 ـ عن قرب الإسناد: 76 / ح 244 ).
ـ وقال صلّى الله عليه وآله: « إنّ الرجل لَيَصل رحمَه وقد بقيَ من عمره ثلاثُ سنين، فيُصيّرها الله عزّوجلّ ثلاثين سنة. ويقطعها وقد بقيَ من عمره ثلاثون سنة، فيصيّرها الله ثلاث سنين! »، ثم تلا صلّى الله عليه وآله قوله تعالى: « يَمحُو اللهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ وعندَه أُمُّ الكتاب ». ( بحار الأنوار 93:74 / ح 21 ـ عن أمالي الطوسي 27:2، والآية في سورة الرعد: 39 ).
ـ وعن الإمام الهادي عليه السلام أنّ موسى عليه السلام سأل ربَّه عزّوجلّ: « إلهي فما جزاءُ مَن وصل رحمَه ؟ قال: يا موسى، أُنسِئ له أجَلَه، وأُهوّن عليه سكراتِ الموت، ويناديه خَزَنة الجنّة: هَلُمّ إلينا فادخُلْ مِن أيّ أبوابها شئت ». ( بحار الأنوار 383:69 ـ عن: أمالي الصدوق:137 / ح 8 ـ المجلس 37 ).
ـ وعن الإمام الباقر عليه السلام ورد قوله: « صلة الأرحام تُزكّي الأعمال، وتُنمّي الأموال، وتدفع البلوى، وتُنسئ من الأجل » ( الكافي 150:2 ).
ـ وقال الإمام الصادق عليه السلام: « إنّ صلةَ الرحم والبِرَّ لَيُهوّنانِ الحساب، ويعصمان من الذنوب، فَصِلوا أرحامكم، وبِرُّوا بإخوانكم ولو بحُسن السلام وردِّ الجواب » ( بحار الأنوار 131:74 / ح 98 ـ عن: الكافي 157:2 ).
• وتبلغ صلة الرحم في الإسلام من الأهميّة بمكان تأتي لأجلها الروايات على غاية الترغيب والحثّ، حتّى جاء في وصيّة النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله:
ـ « أوصي الشاهدَ من أمّتي والغائبَ منهم، ومَن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يَصِل الرحمَ وإن كان منه على مسيرِ سنة، فإنّ ذلك مِن الدِّين » ( بحار الأنوار 105:74 / ح 68 ـ عن: عُدّة الداعي ).
• وليس هذا بكافٍ، إذ تأتي الروايات على أبعد من ذلك وأبعد:
ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « لا تقطعْ رحمَك وإن قطَعَتْك » ( الكافي 347:2 ).
ـ وعن أبي ذرّ قال: أوصاني رسول الله صلّى الله عليه وآله... أن أصِلَ رحمي وإن أدبَرَت. ( بحار الأنوار 91:74 / ح 11 ـ عن: الخصال:345/ ح 12 ـ باب السبعة ).
ـ وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّ رجلاً أتى النبيَّ صلّى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، إنّ لي أهلاً قد كنتُ أصِلُهم وهم يُؤذونني، وقد أردتُ رفضَهم، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إذن يرفضُكمُ اللهُ جميعاً! »، قال: وكيف أصنع ؟ قال: « تُعطي مَن حَرَمك، وتَصِل مَن قطَعَك، وتعفو عمّن ظلَمَك، فإذا فعلتَ ذلك كان الله عزّوجلّ لك عليهم ظَهيراً » ( بحار الأنوار 100:74 / ح 50 ـ عن: كتابيَ الحسين بن سعيد ).
ـ ورُوي عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه قال: « إنّ أوصَلَ الناس مَن وصَلَ مَن قطعه » ( الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة: 24 ).
• وفي الوقت الذي تشير صلة الرحم إلى فضيلةٍ كبيرة، تُشير أيضاً إلى خطورة قطعها، يكفي في التعرّف على ذلك:
ـ قوله تعالى: « والذينَ يَنقُضون عهدَ اللهِ مِن بَعدِ ميثاقهِ ويقطعون ما أمَرَ اللهُ بهِ أن يُوصَلَ ويُفسدون في الأرضِ أولئك لهمُ اللعنةُ ولهم سُوءُ الدار » [ الرعد: 25 ].
ـ وقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: « ثلاثةٌ لا يدخلون الجنّة: مُدمِنُ خمر، ومؤمن سِحْر، وقاطع رحم » ( بحار الأنوار 90:74، ويُحتمَل: مُدمِنُ سِحر ).
ـ وتعوّذ أميرالمؤمنين عليه السلام قائلاً: « أعوذُ بالله من الذنوب التي تُعجِّل الفَناء »، فسُئل عنها، فقال: « قطيعة الرحم » ( الكافي 347:2 ).
• وأخيراً.. قد يُسأل: ما أقلُّ ما يُوصَل به الرحم مع تعسّر الظروف ؟ الجواب في:
ـ قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: « صِلُوا أرحامكم في الدنيا ولو بسلام » ( بحار الأنوار 104:74 / ح 62 ـ عن كتاب: الإمامة والتبصرة ).
ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: « صِلْ رحمك ولو بشربةٍ من ماء، وأفضلُ ما يُوصَل به الرحم كفُّ الأذى عنها » ( بحار الأنوار 103:74 / ح 62 ـ عن: الإمامة والتبصرة ).
ـ وقول أميرالمؤمنين عليه السلام: « صِلوا أرحامكم ولو بالسلام، يقول الله تبارك وتعالى: « واتّقُوا اللهَ الذي تَساءلونَ به والأرحامَ، إنّ اللهَ كانَ عليكُم رقيباً » » ( بحار الأنوار 91:74 / ح 14 ـ عن: الخصال:613 / ح 10 ـ باب حديث الأربعمئة، والآية في سورة النساء: 1 ).