شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

كتاب الانفتاح على الكونيّ العميق

0 المشاركات 00.0 / 5

 كان تلقّي الوحي القرآنيّ المقدس إيذاناً للنبيّ صلّى الله عليه وآله ببدء حركته الرسالية العظيمة التي غيّرت ـ وإلى الأبد ـ وجه التاريخ.
ومن الوجهة البيانيّة.. فإنّ القرآن الذي بدّل رؤية الإنسان ووسّع مدى هذه الرؤية لتكون كونيّةً انسانيّة شاملة مُكافِحة.. كان يقيم الحجّة على مصدره الإلهيّ، فسيتعرض بمنطق التحدّي الواثق قدراته اللغوية والادبية الباهرة أمام أقوام هم أهل اللغة المعتزّون بها القادرون على التفنّن فيها والإبداع.
إنّ عبقرية العربيّ آنذاك كانت ـ يا أصدقاءنا ـ عبقرية اللغة والشعر. وكان ذلك نتاج وضعٍ بأكمله.. هو وضع العربيّ والصحراء وتقاطيع شبه الجزيرة.
كانت كلّ قبيلة ـ في فَلَك اللغة العربية ـ تُبدع إضافاتِها اللغوية والتعبيرية فكانت هناك اللغةُ العربية التي يشترك فيها جميع العرب من كل أصناف القبائل، كما كانت هناك تجديدات القبائل في ابتكار المفردات والصور والعلاقات اللغوية.

* * *

وتثير لغةُ القرآن ـ أيها الأصدقاء ـ غِنىً مركّباً؛ غنى الصورة البلاغية، وغنى الأفكار. وكانت نفس العربيّ نفساً بدوية، تستقبل أُعطيات اللغة ومضامينها؛ فالنفس البدوية طَروبٌ في جوهرها، وجميع مطامحها وانفعالاتها واندفاعاتها إنّما تتجلّى في تعبيرٍ موسيقيّ موزون، هو بيت الشعر الذي سيكون مقياسه خطوة الجمَلَ السريعة والطويلة. وهذه اللغة الرخيمة التي تَردَّد خلالها صهيل الخيل، ودوّت في جوانبها قعقعةُ السيوف الهندية.. إنّما تستعير عناصر مجازها من سماء بلا سحاب، ومن صحراء بلا حدود، فهي لا تعبّر عن أيّة حَيرةٍ روحيّة، وهي تجهل دقائق المنطق وتجريد الفكر الفلسفيّ أو العلميّ أو الدينيّ.
وثروتها اللفظية هي تلك التي تحقّق حاجات الحياة البسيطة الخارجيّة أو الداخلية.. تلك اللغة التي سيطويها القرآن الكريم بهيمنته الابداعية المعجزة.

* * *

وكما استوفى القرآن جمالية الصورة اللغوية التي سَحَرت العربيّ.. أمدّه كذلك بالغذاء العقليّ وبالثقافة الجديدة، وبالرؤية الكونية والانسانية الفسيحة.
وفي هذا الاتجاه حقّقت اللغة القرآنية قفزةً فريدة على صعيد اللغة العربية، إذ لم يَحدُث لِلّغة العربية تطوّر تدريجيّ، بل بعضُ ما يُشبه الانفجارَ الثوريّ المباغت، كما كان النزول القرآنيّ مباغتاً.
ومن الثابت ـ أيها الاصدقاء ـ أنّ المعرفة القرآنيّة التي حملتها الآياتُ المقدسة قد وفّرت للبشرية هدايةً معمّقة متواصلة، في إطار التواصل المباشر وغير المباشر مع شؤون المجتمعات ومسيرتها. فانّها تلتقط قضايا المجتمع والعمقَ النفسيّ للفرد.. لدمج الحلّ الانسانيّ بالحلّ الكونيّ.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية