هذي وديعة أحمد

هذي وديعة أحمدٍ

الشيخ محمّد علي اليعقوبي(1)


تـرَكَالـصِّبا لك والصَّبـابَـهْ         صَـبٌّ كـفاهُ مـا أصابَـهْ(2)
أنْـسَـتْـهُ أيّــامُ الـمَشيـب         هَــوىً بـه أفـنى شـبابَـهْ
أوَ بـعدَ مـا ذهـب الشبـابُ         مُـودِّعـاً يـرجـو إيـابَــه
وسَـرى بـه حـادي الـليـا         لـي لـلردى يَـحدُو رِكابَـه!
هـيهاتَ دأبُـكَ فـي الهـوى         لـم يَـحْكِ بـعدَ الـيوم دابَـه
لـيس الـخَليُّ(3) كمَن غَـدا         رَهْـنَ الـجوى حِلْفَ الكآبـه
مــا شـابَ، لـكنّ الـحوا         دثَ قـد رَمَـتهُ بـما أشـابَه
أسْــوان(4) مِـمّـا نـابَـهُ         والـوجدُ أنـشبَ فـيه نـابَه
لــم يَـدْعُهُ لـبني الـهـدى         داعــي الأسـى إلاّ أجـابَه
صَـبَّ الإلـهُ عـلى بـنـي         صَـخْـرٍ وحـزبِهِمُ عـذابَـه
لا جــاز بـالشامِ الـنسيـمُ         ولا هَـمَـت فـيه سَـحابَـه!
سَـنُّوا بـها سَـبَّ الـوصيّ         لـدى الـفرائض والـخِطابَه
سَـدُّوا عـلى الآلِ الـفضاء         وضَـيّـقوا فـيـهم رِحـابَه
حـتّى قَـضَوا والـماءُ حـو         لَـهـمُ ومـا ذاقـوا شَـرابَه
بـالـطَّفِ بـيـن مُـصـفَّدٍ         ومُـجَـرَّدٍ سَـلَـبُوا ثـيابَـه
ضَــرَبـوهـمُ بـمُـهَـنّـدٍ         شَـحَذَ الأُلـى لـهمُ ذُبابَه(5)
ولـقد يـعزُّ على رسـول الله         مــا جَـنَـتِ الـصَّحابـه!
قـد مـات فـانقلبوا على الـ         أعـقابِ.. لـم يَخشَوا عِقابَـه
مَـنَـعوا الـبتَولةَ أن تَـنوحَ         عـلـيه أو تـبكي مُـصابَـه
نـعـشُ الـنـبيِّ أمـامَـهُم         ووراءهــم نَـبَذوا كـتابَـه
لــم يَـحفَظوا لـلمرتضـى         رَحِــمَ الـنـبوّةِ والـقرابه
لـو لـم يـكن خـيرَ الورى         بـعد الـنبيِّ لَـما آسـتَنابَـه
قـد أطـفأوا نـورَ الـهـدى         مُـذ أضـرَموا بـالنارِ بابَـه
أسَـدُ الإلـهِ.. فـكيـف قـد         وَلَجَت ذئابُ القومِ غابَه ؟!(6)
وعَـدَوا عـلى بـنت الهـدى         ضـرباً بـحضرتِهِ المُهابـه!
فــي أيِّ حُـكـمٍ قـد أبـا         حُوا إرثَ فاطمَ وغتصابَـه ؟!
بــيـتُ الـنـبوّة بـيـتُهـا         شـادَت يـدُ الـباري قِـبابَه
أدِنَ الإلــــهُ بـرفـعِـهِ         والـقومُ قـد هَـتَكوا حِجابَـه
بـأبـي وديـعـةَ أحـمــدٍ         جُرَعاً سَقاها الظُّلمُ صابَـه(7)
عـاشت مُـعصَّبةَ الـجبيـن         تَـئنُّ مِن تلك « العصابـه »!
حـتّـى قَـضَت وعـيونُهـا         عَـبرى.. ومـهجتُها مُـذابـه
وأمـضُّ خَـطْبٍ في حشا ال         إسـلامِ قـد أورى آلـتهابَـه
بـالـليلِ واراهـا الـوصيُّ         وقـبرُها عـفّى تُـرابَـه(8)

-----------

1 ـ وُلد في النجف الأشرف سنة 1313هـ، ونشأ في مدينة الأدب الحلّة الفيحاء، وابتدأ خطواته التعليميّة الأُولى في مكاتب القرآن الكريم، ثمّ أخذ دروسه في العلوم الأخرى حتّى برع، ورقى المنبر الحسينيّ في سنّ مبكّرة فأجاد. جاهد الاحتلال البريطانيّ، ثمّ عاد إلى النجف فأسّس جمعيّة الرابطة الأدبيّة وكان عميداً لها. أهم آثاره العلمية: البابليات، الذخائر ـ ديوان خاص في أهل البيت عليهم السّلام ـ، عنوان المصائب في مقتل الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام.. تُوفّي سنة 1385هـ / 1965م.
2 ـ الصبّ: العاشق ذو الوله الشديد.
3 ـ الخَليّ: الخالي من الهمّ.
4 ـ أسوان: حزين.
5 ـ شحَذَ: أحَدّ. ذُباب السيف: طَرَفُه الذي يُضرَب به.
6 ـ وَلَجت: دخلت.
7 ـ الصاب: شجر مرّ.
8 ـ ديوان الذخائر / للشيخ اليعقوبي:11، وقد نُظمت القصيدة سنة 1345هـ.