حب علي (ع) و بغضه (شبُهات وردود)

الشبهة الأولى:

قد يقال: إن أحاديث افتراق الأمة تدل على أن الفرقة المحقة هي الطائفة التي تتَّبع الصحابة، لأنه (صلى الله عليه وآله) قال: ما أنا عليه وأصحابي. وتدل على أن الناجين هم الجماعة، والمراد بهم أهل السنة.

 

والجواب:

أن الحديث لم ينص على أن الحق هو ما عليه الصحابة فقط، بل قال: (ما أنا عليه وأصحابي)، فما كان النبي (صلى الله عليه وآله) عليه وأصحابه هو الحق بلا شبهة، إلا أن الصحابة لمَّا وقع بينهم الاختلاف بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فلا يصح اتباع بعضهم بمقتضى هذا الحديث دون بعض، لعدم الدليل على هذا الاتباع، ولا مناص حينئذ من البحث عن دليل آخر ينفع في هذه الحال.
وحديث الثقلين الذي تقدم الكلام فيه، هو الدليل الآخر الذي لا مناص من الأخذ به، وهو يرشد إلى التمسك بالعترة النبوية الطاهرة دون غيرهم.
على أنَّا لو سلَّمنا بلزوم اتّباع الصحابة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فبما أن الصحابة اختلفوا فيما بينهم كما مرَّ مفصلاً في الفصل الثالث، ولا يصح التكليف باتباع الكل، فلا مناص من اتّباع البعض منهم، والشيعة اتّبعوا مَن نص النبي (صلى الله عليه وآله) على أن الحق معه، وهو مع الحق، وأن الحق يدور معه حيثما دار، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، فرجعنا بالنتيجة إلى اتباع العترة أيضاً.
وأما الجماعة المذكورة في أحاديث اختلاف الأمة فليس المراد بهم من يُعرفون الآن بأهل السنة والجماعة بجميع مذاهبهم، وإنما المراد بهم جماعة الحق وإن قلّوا.
قال الترمذي: وتفسير الجماعة عند أهل العلم: هم أهل الفقه والعلم والحديث.
قال الألباني: وهذا المعنى مأخوذ من قول ابن مسعود رضي الله عنه: الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك. رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (ج 13 ص 322 ح 2) بسند صحيح عنه(44).
وأهل الحق هم العترة النبوية الطاهرة التي أمر النبي (صلى الله عليه وآله) باتّباعها والتمسك بها، دون غيرها من فئات هذه الأمة.

 

الشبهة الثانية:

أن كل الأدلة التي ذكرتها دالة على أن مذهب أهل البيت هو المذهب الحق، ونحن لا ننكر ذلك، ولكن ننكر أنكم تتَّبعون أهل البيت (عليهم السلام).
قال ابن تيمية: لا نسلِّم أن الإمامية أخذوا مذهبهم من أهل البيت، لا الاثنا عشرية ولا غيرهم، بل هم مخالفون لعلي رضي الله عنه وأئمة أهل البيت في جميع أصولهم التي فارقوا فيها أهل السنّة والجماعة: توحيدهم وعدلهم وإمامتهم(45).
قال الذهبي: لا نسلّم أنكم أخذتم مذهبكم عن أهل البيت، فإنكم تخالفون عليّاً وأئمة أهل البيت في الأصول والفروع(46).
والجواب: أن اتّباع الشيعة الإمامية لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتمسّكهم بهم، وسيرهم على منهاجهم، أشهر من أن يُذكَر، وأظهر من أن يُنكَر، وما إنكاره إلا إنكار بديهة واضحة لا تخفى على ابن تيمية والذهبي وغيرهما.
ومن الواضح أن أهل السنة لم يذكروا في كتبهم أقوال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الأصول والفروع، ولم ينقلوها من طريقهم، فكيف علم ابن تيمية والذهبي أن ما عليه الشيعة الإمامية مخالف لما عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)؟
ولماذا لم يذكرا موارد المخالفة بين الشيعة وبين أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الأصول والفروع، ليكون كلامهما مستنداً إلى حجّة صحيحة؟
ثم إن المنقول من أقوال أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في كتبهم وهو قليل جداً موافق لما عليه الشيعة الإمامية، كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.

 

الشبهة الثالثة:

أن أهل السنّة جازمون بأن الشيعة الإمامية لا يتّبعون أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أصول الدين وفروعه، وذلك لأن ما عليه الشيعة مخالف لما رواه الثقات عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فالقول بصدق الشيعة في النقل عن أئمة أهل البيت يستلزم الطعن في أهل البيت بمخالفة النبي (صلى الله عليه وآله)، فلا مناص حينئذ تكذيب الشيعة فيما زعموا، وبذلك لا يكونوا أتباعاً لأهل البيت.
فالجواب: أن مخالفة ما نقله الشيعة الإمامية عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لما رواه غيرهم عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يستلزم ما ذكروه، وذلك لأن رواية الثقات عند أهل السنّة كمعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وبسر بن أرطأة وأمثالهم لا يستلزم بالضرورة صدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله) حتى يكون ما خالفه باطلاً.
ومن الواضح أن الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) شيء واحد، واختلاف الرواية عنه يدل على كذب إحدى الروايتين، والشيعة أخذوا بما رواه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وتمسَّك أهل السنّة بما رواه غيرهم من النواصب والخوارج والمرجئة والقدرية(47)، فأي الفريقين أولى بالنجاة يا أولي الألباب؟
هذا مضافاً إلى أن أئمة أهل السنّة اختلفوا فيما بينهم وتفرَّقوا إلى مذاهب في الأصول الاعتقادية والفروع الفقهية كما مرَّ، وتنازعوا في أكثر المسائل كما هو واضح لكل مَن تتبَّع أقوالهم وفتاواهم ونظر في كتبهم، فأي المذاهب منها هو الصحيح الذي يتَّفق مع ما عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
ومن ذلك يتضح بطلان زعم ابن تيمية أن أئمة أهل البيت متفقون مع أهل السنّة والجماعة في الأصول والفروع.

_________________________

44- حاشية مشكاة المصابيح ج 1 ص 61.
45- منهاح السنة النبوية ج 2 ص 116.
46- المنتقى من منهاج الاعتدال ص 167.
47- راجع مقدمة فتح الباري ص459 ص 465، لترى من طعن فيه بسبب معتقده من رجال صحيح البخاري.