مرجعية الإمام موسى الكاظم(ع)

وفي عصر الإمام موسى الكاظم (ع) ظهرت مذاهب فلسفية وعقائدية منحرفة، واجتهادات فقهية غير صائبة وظهر التفسير بالرأي، وظهر رواة كانوا يروون الأحاديث المدسوسة ويذيعون الأخبار الكاذبة، وانتشر الغلو والأفكار الإلحادية، كما ظهرت علوم جديدة لاستنباط الأحكام كالمنطق والفلسفة وعلم الكلام.

وفي هذه الأجواء كان الإمام الكاظم (ع) السد المنيع بوجه الإنحراف العقائدي والفكري، والمرجع الحقّ الذي أغنى الأمة بالرواية الصحيحة والحديث والتفسير السليم، وكان لطلابه دور أساسي في مواجهة الانحراف، فقد بلغ عدد الرواة الذين رووا عنه أكثر من ثلاثمائة، والمؤلفات أكثر من  ثلاثين مؤلفاً.

وقد ركز (ع) على المصادر الأساسية للفكر والتشريع في مواجهته للتيارات المنحرفة أو المتأثرة بغير المنهج الإسلامي.

وقد اعترف حكام زمانه بهذه المرجعية وأوجسوا منها خيفةِّ لأنّها ستكون مرجعية عامة تتجاوز العلم إلى الهيمنة علي نفوس الناس وقلوبهم وعقولهم، فقال له هارون الرشيد حين رآه جالساً عند الكعبة: أنت الذي تبايعك الناس سرّاً؟ فقال: أنا إمام القلوب وأنت إمام الجسوم(1) .

وكان أهل المدينة يسمونه زين المجتهدين(2) .

وقد اعترف الرواة والمؤلفون في كتب السيرة والرجال بغزارة علم الإمام الكاظم(ع) ودوره في نشر العلم والمعرفة ومنهم:

الذهبي حيث قال فيه: كان صالحاً عالماً عابداً متألهاً (3) .

وقال فيه جمال الدين الأتابكي: يُدعى بالعبد الصالح لعبادته، وبالكاظم وكان سيّداً عالماً فاضلاً سَنيّاً جواداً ممدحاً مجاب الدعوة(4) .

وقال فيه ابن حجر الهيثمي: وارث أبيه علماً ومعرفة وكمالاً وفضلاً، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند اللَّه، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم(5) .

وقال فيه ابن الصباغ المالكي: اقترع قبة الشرف وعلاها وسما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها وذللت له كواهل السيادة وامتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها فاصطفاها.

وعن الريان بن شبيب عن المأمون قال: استأذن الناس على الرشيد، فكان آخر من أذن له موسى بن جعفر، فلما نظر إليه الرشيد تحرك ومد بصره وعنقه إليه حتى دخل البيت الذي كان فيه، فلما قرب منه جثا الرشيد على ركبتيه وعانقه، ثم أقبل يسأل عن أحواله، وأبو الحسن يقول: خير خير، فلما قام عانقه وودعه.

فقلت: يا أمير المؤمنين لقد رأيتك عملت مع هذا الرجل شيئاً ما عملته مع أحد قط فمن هذا الرجل؟

فقال: يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر بن محمد، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا(6) .
_____________________
(1) – الصواعق المحرقة: 309.
(2) – الإرشاد: 298.
(3) – تاريخ الإسلام: 417.
(4) – النجوم الزاهرة 2: 112.
(5) –  الصواعق المحرقة: 307.
(6) –  مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهر آشوب: ج4، ص335.