فاطمة الزهراء (عليها السلام)

بنت خير الكائنات ، وسيد الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

أمها أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد .

وهي سيدة نساء العالمين ، عديلة مريم بنت عمران ، بضعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) . من ناسكات الأصفياء وصفيات الأتقياء ، السيدة البتول ، والبضعة الشبيهة بالرسول ، ألوط أولاده بقلبه لصوقاً ، وأوّلهم بعد وفاته به لحوقاً . وهي التي يرضى الله لرضاها ، ويغضب لغضبها ، ثالثة الشمس والقمر ، الطاهرة الميلاد ، السيدة بإجماع أهل السداد . أمّ أبيها ، سيدة نساء العالمين ، أصدق الناس لهجة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

وما عساني أن أكتب عن هذه البضعة الطاهرة ، والسيدة المعصومة . وأيّ قلم يرقى لها ليكتب عنها ، بل أيّ بنان يستطيع أن يحيط بكنه وجودها ، وسرّ تكوينها .

وقد اُلفت في حقها وفضائلها الكتب ، وتحدّث عنها كلّ خطيب مفوّه ومتكلم بارع . وما كتبوه وقالوه لا يعدو أن يكون جزءً صغيراً من جوانب حياتها وشخصيتها العظيمة . فالزهراء (سلام الله عليها) لا يعرف حقها إلاّ أهل البيت (عليهم السلام) .

وللزهراء (عليها السلام) شأن أعظم من الشعر ، فلم تكن روحي فداها مكثرة من الشعر . إلاّ أنّ فقد والدها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) أحزنها كثيراً فجعلها ترثيه بأبيات شعرية قليلة .

فهي مضافاً لما عانته من ألم الفاجعة وشدّة المصيبة ، وعظم النازلة بفقده (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، تشاهد انحراف الأمة وانتكاستها وانقلابها الذي أشار إليه القرآن الكريم : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) .

وحتى بكاؤها (عليها السلام) الذي ضجر منه أهل المدينة كان للأمرين معاً ، إذ أنّ انقلاب الأمّة وانحرافها كان قد أوجع قلبها ، وأجرى لمدامعها .

وهنا نسجل ما ورد من شعرها في رثاء الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) :

 قالت (عليها السلام) :

 

أغبـر آفــاق السماء فكورت * شمس النهار وأظلم العصــران

الأرض من بعد النبي كئيبــة * أسفاً عليه كثيــرة الأحــزان

فليبكـه شرق العباد وغربهــا * وليبكه مضـر وكــل يمانـي

وليبكــه الطـود الأشم وجوده * والبيـت والأستــار والأركـان

يا خاتم الرسل المبارك ضوؤه * صلى عليك منزل القــرآن

 

 وقالت (عليها السلام) بعد أن أخذت قبضة من تراب قبره الشريف وشمتها :

 

ماذا على من شمّ تربة أحمــد * أن لا يشمّ مدى الزمان غواليــا

صبّـــت علـيَّ مصائب لو أنّها * صبّت على الأيام عدن لياليـا

ولها (عليها السلام) بعد الخطبة وقد انعطفت على قبر أبيها (صلى الله عليه وآله وسلّم)  :

قد كنت ذات حمية ما عشـت لي * أعشى البراح وأنت كنت جناحـي

فاليـوم أخضع للذليل وأتّقــي * منه وأدفــع ظالمــي بالـرّاح

وإذا بكت قمريــة شجنا لهــا * ليلاً على غصن بكيت صباحي

 ولها (عليها السلام) وقد دنت من قبره الشريف :

إنّ حزنــي عليك حزن جديـد * وفــؤادي والله صبّ عنـيــد

كــلّ يوم يزيــد فيه شجوني * واكتـئابـي عـليك ليس يبيد

 ولها (عليها السلام) :

قلّ صبـري وبان عنّي عزائي * بعد فـقـدي لخاتــم الأنبيــاء

عين يا عيـن اسكبي الدمع سحّاً * ويك لا تبخلــي بفيــض الدماء

يــا رسول الله يا خيــرة الله * وكهــف الأيتــام والضعـفـاء

لـو ترى المنبر الذي كنت تعلوه * عــلاه الظـلام بعد الضيــاء

يــا إلهي عجّل وفاتـي سريعاً * قد بغضت الحياة يـا مولائـي

وقالت (عليها السلام) :

اذا مــات يومــاً ميت قـلّ ذكره * وذكـر أبــي مذ مــات والله أزيـد

تذكــرت لمــا فــرّق الله بيننـا * فعزّيـت نفســي بالنبــيّ محمــد

فقلت لهــا : إنّ الحيــاة سبيلنـا * ومن لم يمت في يومه مات في غد

 ولها (عليها السلام) :

إذا اشتدّ شوقي زرت قبرك باكيــاً * أنــوح واشكوا لا أراك مجــاوبي

فيــا ساكن الغبــراء علمتني البكا * وذكرك أنسانـي جميـع المصائــب

فإن كنــت عنـي في التراب مغيباً * فما كنت عن قلبي الحزيــن بغـائب

 وقالت (عليها السلام) بعد خطبتها الكبرى :

قد كـان بعــدك إنباء وهنبثــة * لو كنت شاهدها لم تكثــر الخطــب

 

إنّا فقدنـاك فقد الأرض وابلهـا * واختلّ قومك فأشهدهم فقد نكبـوا

قد كان جبريــل بالآيات يؤنسنا * فغبت عنا فكلّ الخير محتجــب

وكنت بـدراً ونوراً يستضاء بـه * عليك تنزل من ذي العزّة الكتـب

تجهمتنا رجال واستخــف بنـا * بعد النبيّ وكلّ الخيــر مغتصب

سيعلم المتولــي ظلـم حامتنـا * يوم القيامة أنـى سوف ينقلــب

فقد لقينــا الذي لم يلقـه أحـد * من البرية لا عجـم ولا عــرب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت * لنــا العيون بتهمال لـه سكب