مناظرة الشيخ الصدوق مع ملحد عند ركن الدولة في الإمام

قال الصدوق في كمال الدين : ” ولقد كلمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدولة – رضي الله عنه – فقال لي : وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين .

فقلت له : إن أهل الكفر كانوا في أيام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أكثر عددا منهم اليوم وقد أسر عليه السلام أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله جل ذكره وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمن لم يثق به ، ثم آل الأمر إلى أن تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله ، فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين فلو أن قائلا قال في تلك السنين : لم لا يخرج محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين ، ما كان يكون جوابنا له إلا : أنه عليه السلام بأمر الله – تعالى ذكره – خرج إلى الشعب حين خرج ، وبإذنه غاب ، ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر ، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي في الشعب هذه المدة حتى أوحى الله عز وجل إليه أنه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع بني هاشم ، المختومة بأربعين خاتما ، المعدلة عند زمعة بن الأسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من اسم الله عز وجل ، فقام أبو طالب فدخل مكة ، فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوته ، فاستقبلوه وعظموه فلما جلس قال لهم : يا معشر قريش إن ابن أخي محمد لم أجرب عليه كذبا قط وإنه قد أخبرني أن ربه أوحى إليه أنه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من أسماء الله عز وجل فأخرجوا الصحيفة وفكوها فوجدوها كما قال ، فآمن بعض وبقي بعض على كفره ، ورجع النبي ( عليه السلام ) وبنو هاشم إلى مكة ، هكذا الإمام عليه السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج .

وشئ آخر وهو أن الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الإمام فلو أن قائلا قال : لم يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون ؟ لكان جوابنا له أن الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

ولا يقال له : لم ولا كيف ، وهكذا إظهار الإمام إلى الله الذي غيبه فمتى أراده أذن فيه فظهر .

فقال الملحد : لست أو من بإمام لا أراه ولا تلزمني حجته ما لم أره ،

فقلت له : يجب أن تقول : إنه لا تلزمك حجة الله تعالى ذكره لأنك لا تراه ولا تلزمك حجة الرسول عليه السلام لأنك لم تره .

فقال للأمير السعيد ركن الدولة – رضي الله عنه – : أيها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فإنه يقول : إن الإمام إنما غاب ولا يرى لأن الله عز وجل لا يرى ، فقال له الأمير رحمه الله : لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز ” ( ۱ ) .

————————————
۱ – كمال الدين : ۱ / ۸۷ .