حكم التداوي في الفقه الاسلامي

جواز التداوي من الواضحات التي تسالم الكلّ عليه، وفي موثّقة الحسين بن علوان، المرويّة في قرب الإسناد عن جعفر، عن أبيه، عن جابر قال: قيل يا رسول اللّه أ نتداوى؟ قال: «نعم، فتداووا فإن اللّه لم ينزل داء إلاّ وقد أنزل له دواء» (الوسائل ج١٧ ص١٧٩).

أقول: وهل أمره صلّى اللّه عليه وآله بالتداوي للوجوب أو للإرشاد؟

فيه وجهان: نعم، يجب التداوي من الأمراض الخطيرة لوجوب دفع الضرر، كما يجب تداوي الأطفال والمجانين على أوليائهم حسب قضيّة الولاية.

ثمّ الظاهر جوازه بل وجوبه وإن احتمل الضرر فيه احتمالا مرجوحا أو مساويا؛ لصحيح يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السّلام: في الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق، وربما انتفع به وربما قتله؟ قال: «يشرب ويقطع» (روضة الكافي ص١٩4).

وربما يتخيّل بعض أهل العلم عدم وجوب التداوي مطلقا حتّى من الأمراض المهلكة؛ لاستبداله بالدعاء والتوكل، قال اللّه تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، وقال تعالى: (اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

أقول: لكنّهما لا ينفيان وجوب التداوي وحده، بل لزوم تحصيل المعاش والنفقة وتحصيل كلّ أمر متوقّف على أسبابه أيضا حتّى تحصيل العلم أيضا، بل لازم هذا التخيّل عدم وجوب حفظ النفس، وهوكما ترى.

وهل يمكن أن يفتي عاقل بجواز ترك شرب الماء أو أكل الطعام للمضطرّ الذي يشرف على الهلاك؟

والحل: أنّ التوكّل لا ينافي السعي إلى تحصيل الأسباب ولا هي تنافيه «وأعقل راحلتك وتوكّل على اللّه» (بحار الأنوار، ج٧١ ص١٣٧)، والدعاء لم يشرّع لإبطال الأسباب الطبيعية قطعا، والأئمة عليهم السّلام تداووا وأمروا أتباعهم بالتداوي، كما في الأحاديث الكثيرة (لاحظ بحار الأنوار ج ٦٢)، بل ورد في بعض الأحاديث أنّ من يترك أمورا لا يستجاب دعاؤه.

ثم إنّ التداوي كما قد يجب على المريض يجب العلاج على الطبيب أيضا كفاية وإن جاز له أخذ الأجرة على طبابته إذا قدر المريض عليه.

وفي رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام المرويّ في التهذيب قال: سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلا؟ قال: «لا بأس» (بحار الأنوار ج٥٩ ص٣).

 

فائدة : نذكر فيها بعض الروايات المعتبرة سندا

١-قال الصادق عليه السّلام: «قال موسى بن عمران: يا ربّ من أين الداء؟ قال: منّي، قال: فالشفاء؟ قال: منّي، قال: فما يصنع عبادك بالمعالج؟ قال: يطبّب بأنفسهم، فيومئذ سمّي المعالج الطبيب».

أقول: أيّ سمّي بالطبيب؛ لرفعه الهمّ عن نفوس المرضى بالرفق والتدبير، وليس الشفاء منهم، وفي بعض كتب اللغة: طبّ: تأنّى للأمور وتلطّف، وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة «يطيب».

وليس المراد أنّ الطبيب مشتقّ من مادّة الطيب، بل المراد أنّ تسميته بالطبيب لمداواته الهموم، فتطيب النفوس بذلك.

والشفاء لا ينافي التداوي؛ لأنّهما من العلل الطولية، وصنع المعالج هو تشخيص الداء وتعيين الدواء فقط، والشفاء من اللّه تعالى.

٢-كتب ابن أذينة إلى الصادق عليه السّلام يسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير فيشربه بقدر أسكرجة من نبيذ ليس يريد به اللّذة [و] إنّما يريد به الدواء، فقال: «لا، ولا جرعة» وقال: «إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يجعل في شيء مما حرّم شفاء ولا دواء».

أقول: اتّفقت أحاديثنا على منع التداوي بالخمر وهذا الحديث يمنعه بمطلق الحرام، (لاحظ جامع أحاديث الشيعة ج ٢4 ص ٢٠٢).

لكن، لو فرض بطريق قطعي موردا توقّف حياة أحد على شرب مسكر أو خمر أو على شرب دواء فيه خمر جاز شربه، أو لعلّه فرض نادر جدّا.

٣-قال الصادق عليه السّلام: «ما من دواء إلاّ وهو شارع إلى الجسد ينظر متى يؤمر به فيأخذه».

أقول: كأنّ الحديث يشير إلى موضوع علمي، وهوما ثبت في علم الطبّ وغيره من مناعة البدن.

 

نظر المذاهب الأربعة حول التداوي

نقل بعض أهل السنّة: أنّ العلاج عند الإمام أحمد رخصة وتركه درجة أعلى، وعند الشافعي: التداوي أفضل من تركه، ومذهب أبي حنيفة: أنّه-أي التداوي-مؤكّد حتّى أنّه يقارب الوجوب، ومذهب مالك: أنّه يستوي فعله وتركه (الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها ص 6٢4-6٢5).