شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

تفسير اية التطهير

0 المشاركات 00.0 / 5

يطلق العرب على القذارة الظاهرية و النجاسة اسم الرجس، و على الإثم والمعصية و وسوسة الشيطان کذلك؛ فقي«أقرب الموارد» تعني القذارة و النجاسة والذنب الذي يجرّ إلى العذاب أيضا.

وفي «المنجد» القذارة و العمل القبيح أيضاً، و لدى «ابن الأثير» في «النهاية»الرجسُ: النجس و القذر، و تستخدم في العمل الحرام و لدي «الراغب الاصفهاني» في «مفرداته» تعني القذر والملوّث سواء في الطبع، أو في نظر العقل أو في نظر الشرع، و في الثلثة معا.

والرجس في ضوء القرآن الکريم له مفهومان؛ أحدهما ما يدل علي النجاسة الظاهرية کالميتة و الدم و لحم الخنزير کما في قوله تعالى:﴿ ... أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ... ﴾ 1.

أونجاسة معنوية کتلوّث النفس بالآثام أوجرّاء الضلال کما في قوله سبحانه:﴿ ... وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 2.

وقوله أيضا:﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ 3.

وقوله عزوجل:﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ... ﴾ 4

فالآيات السابقة تشير إلى رجس هو في الواقع ما يعتور النفس من ظلامية في التفکير و السلوك و بتعبير القرآن مرض القلب الذي ينشأ عن غياب الايمان الذي يضيء النفس و ينشر في أنحائها النور.

على أن الرجس الذي أشارت إليه آية التطهير لا يمکن أن يکون في إطار المعني الاصطلاحي، ذلك أن وجوب اجتناب الرجس الظاهري هو أمرمطلوب من جميع «المکلّّفين»بينما تصدرت الآية ﴿ ... إِنَّمَا ... ﴾ 5 التي تفيد الحصربأهل البيت.

ثم إن تنزّه أهل البيت عن النجاسات لايمکن عدّه امتيازا ً لأهل البيت کما لايحتاج إلي کلّّ هذا الاهتمام البالغ الذي سعي رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) الي تأکيد في ذاکرة المسلمين، و هو امتياز جعل ام سلمة تطمح في الإنضمام إلي أهل البيت، و لو کان معناه التطهّر من النجاسات ما افتخر به عليّ (عليه السلام) ولا احتجّ به الحسن و الحسين (عليهما السلام).

وإذن فالتطهّر من الرجس لابد و أن يکون في أعماق الروح و جوانب النفس.

 

الإرادة

الإرادة التي تطرق إلي ذکرها القرآن الکريم نوعان:

الأول: إرادة تکوينية، أي ما کانت في نظام الخلق و ناموس الطبيعة عن قبيل قوله تعالى:﴿ ... وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا ... ﴾ 6. قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ 7.

ومعنى ذلك أن إرادة الله نافذة لا يقف في طريقها شيء إنها مشيئته سبحانه التي تعني الحتمية.

الثاني: إرادة تشريعية، و هي التي جعلها الله في شريعته و أحکامه الواجب تنفيذها من لدن الناس، کقوله سبحانه في تشريع الصوم مثلاً: ﴿ ... فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ... ﴾ 8.

وقوله عزوجل:﴿ ... مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ... ﴾ 9.

وفي ضوء ما تقدّم فما هوالمعني الذي ترمي اليه آية التطهير، هل إرادة تشريعية أم تکوينية؟

بعبارة اخري هل کانت الإرادة مقررة في نظام التشريع فأصبح أهل البيت المخاطب المعني بها؟ وهل کان الخطاب القرآني يطلب من أهل البيت اجتناب الرجس والنجاسات ليکونوا طاهرين، و اذن سيکون معنى الآية الکريمة: ان الله يريد من أهل البيت أن يجتنبوا الرجس و النجاسة ليکونوا طاهرين. مع علمنا جميعا ً أن الأمر هو من الشمول بحيث يستوعب المسلمين کافّة.

ونحن هنا نحتکم الى و جدان القارئ في فهم مدلول الآية و ما ترمي إليه.

ولو کان الخطاب القرآني يرمي إلى هذه المعاني فما هو السرّ في اهتمام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) بذلک و ما هي بواعث ام سلمة في محاولة الانضمام إلي أصحاب الکساء؟!

وهل ان الله لم يرد من ام سلمة اجتناب الذنوب و المعاصي و الآثام. إن آية التطهير وما رافقها من حوادث و مواقف تجعل لأصحاب الکساء وأهل البيت امتيازا ً رفيعا و فريدا.

فلقد احتج بها علي بن أبي طالب في حواره مع أبي بکر حول مسألة فدك، و استشهد بها يوم الشورى بعد مصرع عمر، و افتخر بها الحسن في أول خطبة له في خلافته.

وهنا نحن نحتکم الي و جدان القارئ و هو يستعرض حوادث التاريخ و مواقف الحسن و الحسين والأئمة من بعدهما، و الجوّ العام المؤيد للمضامين الحقيقية التي ترمي اليها الآية الکريمة، لأن التاريخ لم يذکر أبدا ً أن أحدا ً حتي من أولئك الذين وقفوا في الجانب الآخر من خط أهل البيت وقف يوماً و اعترض على مرامي الآية بأنها لا تستحق کلّ هذه الضجة لأنّها مجرد إرادة إلهية تشريعية تطلب من أهل البيت اجتناب المعاصي و الذنوب ليکونوا طاهرين!

و بانتفاء الجانب التشريعي من الآية لا يبقي سوي التسليم بالإرادة التکوينية المضون الوحيد للآية من معني الإرادة. وهذا ما أکّدته الروايات و الإحاديث قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): انا أهل البيت قد أذهب الله عنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن 10.

وعنه صلوات الله عليه: أنا محمّد بن عبدالله بن عبد المطلب ان الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فأنا خيرکم خلقا و خيرکم قبيلاً و خيرکم بيوتاً و خيرکم نفسا ً11.

وعن علي (عليه السلام) قال: فضل أهل البيت لا يکون کذلک و الله عزوجل يقول ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ ... ﴾ 5 فقد طهرنا الله من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن على منهاج الحق12.

 

اشکال

يعترض البعض على ان تکون آية التطهير دالّة على العصمة، ذلك انها جاءت في سياق آيات اخري تخاطب نساء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ممّا يوحي جوّها العام إلى ان نساء النبي معنيات بخطاب الآية أيضاً و إذاکانت آية التطهير دالّة على العصمة فلابد أن تکون نسوة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) معصومات أيضا ً في حين أن أحدا ً لم و لن يدّعي ذلك و انه لا مناص من شمولية خطاب الآية لنساء الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم)، و بالتالي انتفاء دلالتها على العصمة في کل الأحوال.

 

الجواب

کان السيد عبد الحسين شرف الدين (رضوان الله عليه) قد أثار نقاطا ً عديدة امام الإشکال أعلاه.

ان الاحتمال المذکور سيکون اجتهادا ً مقابل النص، ذلك ان الروايات التي بلغت حدّ التواتر تؤکد على انحصار آية التطهير بالنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) وعلي و فاطمة والحسن و الحسين و ما عرف فيما بعد بأصحاب الکساء، و ما ورد عن ام سلمة و محاولتها الانضمام إلي أهل البيت حيث أجابها النبي (صلى الله عليه و آله و سلم): مکانك و انّك على خير.

إن سياق الآيات التي تخاطب نساء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) کانت تعتمد نون النسوة بما لا يدع مجالاً للشك في أن الخاطبيت کانوا نساء النبي فقط فيما نجد في آية التطهير تغيّراً و اضحا ً في ضمير المخاطب، و لو کانت النسوة محلا ً لخطاب آية التطهير لکانت بالشکل التالي: انمايريدالله ليذهب عنکن الرجس أهل البيت و يطهّرکن تطهيرا. لا بصيغة الجمع المذکر الذي ورد في نص الآية الکريمة.

لقد کان شائعا ً استخدام الجمل الاعتراضية لدي العرب فنجد في سورة يوسف مثلا ً جملة اعتراضية في السياق القرآني التالي: ﴿ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴾ 13.

فجملة «يوسف أعرض عن هذا» جملة اعتراضية، و من هنا فما هو المانع من أن تکون آية التطهير جملة اعتراضية جاءت ضمن السياق القرآني، لتؤدّي دورها و تأثيرها المطلوب في احترام أهل البيت من قبل الجميع حتي من لدن نسوة النبي (صلى الله عليه و آله و سلم).

بالرغم من ايماننا الکامل بعدم تحريف القرآن الکريم و أن آيات الله هي هي کما نزلت علي صدر سيّدنا محمّد (صلى الله عليه و آله و سلم) لا يوجد فيها نقص أو إضافة، ولکن هناك سؤال حول تدوين القرآن و الطريقة المّتبعة آنذاك في جمعه، و من المحتمل أن تکون آية التطهير في سياق سورة اخرى، ثم غيرمکانها عمدا ً أو جهلا ً14

 

ملاحظة

لقد سبق و ان تحدثنا عن الموضوع و ان قصّه الآية لم تکن عادية لتمر مرور الکرام بل ان سيّدنا محمّداً (صلى الله عليه و آله و سلم) جمع إهل بيته و هم علي و فاطمة و الحسن و الحسين وغطّاهم بکساء خيبري تأکيدا ً علي ذلک ثم دعالهم و تلا آية التطهير. و بذلک وضع حدّاً للتساؤلات حول المغيين بأهل البيت، و أعقب ذلک استمرار النبي و لشهور عديدة في تلاوتها کلّما مرّ بمنزل فاطمة ليسمعه الآخرون حتي بات البحث من البديهيات آنذاك، و أصبحت الآية حقّا ً مسلما ً لعلي (عليه السلام) يحتج بها و للحسن و الحسين (عليهما السلام) يفتخران بشأنهما فيها15.

_____________

    1. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 145، الصفحة: 147.
    2. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 125، الصفحة: 144.
    3. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 125، الصفحة: 207.
    4. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 71، الصفحة: 159.
    5. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
    6. القران الكريم: سورة الرعد (13)، الآية: 11، الصفحة: 250.
    7. القران الكريم: سورة يس (36)، الآية: 82، الصفحة: 445.
    8. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 185، الصفحة: 28.
    9. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 6، الصفحة: 108.
    10. ينابيع المودة: ص292.
    11. المصدر السابق.
    12. غاية المرام: 295.
    13. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 28 و 29، الصفحة: 238.
    14. عن کتاب الکلمة الغراء في تفضيل الزهراء للعلّامة السيد عبد الحسين شرف الدين: ص213.
    15. من کتاب دراسة عامة في الامامة.

 

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية