التقية . . . في ثقافة المسلمين، قراءة جديدة و نظرة في الشبهات المثارة حولها

« التَقِيّة » موضوعٌ يُبحثُ عنه في الفقه الإسلاميّ ، باعتبارها تصرُّفاً يجبُ على كلّ مكلَّف معرفةُ حكمه الشرعيّ .

و مدلولها اللغويّ ، هو : الوقايةُ و التحفّظُ عن المكروه ، و الابتعادُ عن الخطر و الضرر ، و الحَذَرُ عمّا يُسيءُ إلى الشخص أو الشخصيّة ; و لو معنويّاً ، كالإهانة و الذلّة ، أو ما يؤثّرُ على المجتمع بالتوتُّر ، أو التخاصُم و النزاع ، أو الفُرقة و الشقاق .
و قد عرّفها فقهاءُ المسلمين بتعاريف تتّفقُ على الجوهر و الأركان الأساسيّة المطلوب توفُّرها في تحقّق واقعها ، و إنْ لم تجمع الشروط المطلوبة للتعريف حسب عُلماء المنطق و الفلسفة ، لكونها تُعنى بشرح مدلول اللفظ و تحديد المراد فقهيّاً ، فقط .
فعرّفها الإمامُ الشيخُ المفيد ( المتوفّى 413 هـ ) بـ « كتمان الحقّ ، و ستر الاعتقاد ، و مُكاتمة الُمخالفين ، و ترك مُظاهرتهم بما يعقبُ ضرراً في الدين أو الدنيا » 1 .
و قال السرخسيّ الحنفيّ ( المتوفّى 490 هـ ) : « التَقِيّة » » أنْ يَقِيَ نفسه من العقوبة ، بما يُظْهِره وإنْ كان يُضْمِرُ خِلافه » 2 .
و قال الإمامُ الشهيدُ الأوّل العامليّ ( المقتول 786 هـ ) : « « التَقِيّة » مُجاملة الناس بما يَعرِفون ، و ترك ما يُنْكِرون ، حَذَراً من غوائلهم » 3 .
و قال الحافظُ ابن حجر العسقلانيّ الشافعي ( المتوفّى 852 هـ ) : « التَقِيّة » الحذرُ من إظهار ما في النفس ـ من معتَقَد و غيره ـ للغير » 4 .
و قال الشيخ الأنصاريّ ( المتوفّى 1281 هـ ) : « التحفّظُ عن ضرر الغير بموافقته ، في قول أو فعل مُخالف للحقّ » 5 .
و قال رشيد رضا المصريّ الشامي السلفي ( المتوفّى 1354 هـ ) : « ما يقال أو يفعل مخالفاً للحقّ ، لأجل توقّي الضرر » 6 .

و قد احتوت تعاريفها على العناصر الضرورية ، و هي:

    وُجودُ الضرر ، أو ما يُحذَرُ منه ، أو ما يُهدّدُ الأمن و الراحة و الكرامة .
    كتمانُ ما في النفس عن الحقّ ، و إظهار الخلاف .
    تعميمُ موردها للقول و الفعل ، و العقيدة و العمل .
    و إطلاق التعاريف يشملُ الضرر المادّي و المعنويّ ، في المال ، و الجسم ، و العِرْض ، و الشخصيّة .
    و بما أنّ الضرر الموجّه إلى أصل الدين أو جماعة المسلمين ، أهمّ ممّا يُوجّه إلى الأشخاص منهم ، فإنّ الحذر من مثل ذلك الضرر ، و اجتنابه ، أهمُّ و ألْزَمُ .

* * *

و الدليل على تشريع « التَقِيّة » من القرآن الكريم آياتٌ عدّةٌ :

منها قوله تعالى : ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾ 7.
فكلمة « تُقاةً » هي بمعنى « التَقِيّة » بل قرأ كثيرٌ من القّراء : ﴿ ... إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ... ﴾ 7 8 .

و قد نزلت الآية في مكّة ، في جماعة من المسلمين عذّبهم المشركون على التَبَرُّؤ من الإسلام ، و إعلان الكفر و الشرك ، فقاومَ بعضهم حتّى قُتِلوا مثل ياسر و سُميّة والدي عمّار ، و أظهر بعضُهم الموافقة للكفّار ; تخلّصاً من عذابهم و شرّهم ، فتحرّجوا من ذلك ; فنزلت الآية في ترخيص ذلك لهم ، منهم عمّار بن ياسر و صهيب الرومي و جبر مولى الحضرمي 9 .
فدلّت الآيةُ على أنّ من أُلْجِىءَ إلى المخالفة ، فاتّقى من المشركين ، و أظهرَ ما يُريدون من الكُفر ، فلا بأس عليه .
و مثلها قوله تعالى : ﴿ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ... ﴾ 10.
فالاستثناء في الآيتين يقتضي أنّ الإنسان المُلْجأ إلى « التَقِيّة » بالإكراه و التهديد ، لابأس عليه ، فلا يُحكم بكفره ، بل هو معذورٌ ، و يُحكم بإيمانه حسب ما استقرّ في قلبه .

* * *
و لأنّ « التَقِيّة » مشروطة بموارد الضرر و الإكراه فهي تدخل ـ فنيّاً ـ في قواعد عامّة فقهيّة مستدلّ عليها في أبواب الفقه الإسلاميّ ، مثل قاعدة :
« لا ضَرَرَ و لا ضِرارَ في الإسلام » .
و « الضروراتُ تُبيحُ المحظُورات » .
و « يجوزُ في الضرورة ما لا يجوز في غيرها » .
و هي ممّا دلّت عليها آياتُ الكتاب ، كقوله تعالى : ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ... ﴾ 11.
و ﴿ ... مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ 12و ﴿ ... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... ﴾ 13و ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ... ﴾ 14.
و كذلك أدلّة السنّة الشريفة ، مثل حديث الرفع المشهور بين الاُمّة ، و هو قول الرسول ( صلى الله عليه و آله ) : « رُفع عن أُمّتي ما لا يعلمون ، و ما أُكرهوا عليه ، و ما اضطروا إليه . . . » 15 و هو من الأحاديث المشهورة ، ممّا اتّفق على روايته المسلمون أجمعون .
* * *

 

و أمّا أدلّة « التَقِيّة » من السنّة:

فقد دلّت على تشريعها أحاديثُ متضافرةٌ ، متّفقٌ على روايتها بين المسلمين ، منها : قول الرسول ( صلى الله عليه و آله ) لعمّار بن ياسر ـ في حديث آية « التَقِيّة » ـ : « . . . إنْ عادوا لك فَعُدْ لهم بما قلتَ » 16 .
و قال ( صلى الله عليه و آله ) : « لا يؤمُّ فاجرٌ مؤمناً إلاّ أنْ يقهره بسلطانه ، أو يخافُ سوطه ، أو سيفه » 17 .

و لذا انعقد إجماع فقهاء المذاهب الإسلاميّة على مشروعيّة « التَقِيّة » : و جرى على ذلك عمل المسلمين خَلَفاً عن سَلَف ، بدءاً بالصحابة الكرام الذين واجهوا الأذى و الضغط و التهديد من السلاطين و الاُمراء و الولاة ، فدفعوا عن أنفسهم ذلك باللجوء إلى « التَقِيّة » مثل موقف جابر بن عبد الله الأنصاري ، من البيعة لمعاوية بن أبي سفيان ـ عند ما أكرهه بُسْرُ بن أرطأة قائد جيش معاوية إلى المدينة ـ فبايع جابرٌ بأمر من أُمّ سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها ، مع التصريح في الحديث بأنّها « بيعةُ ضلالة » 18 .
و صرّح ابن مسعود بقوله : « ما من كلام يدرأُ عنّي سوطين من سلطان ، إلاّ كنتُ مُتكلّماً به » 19 .
رواه ابن حزم الظاهريّ ، و أضاف : « و لا يعرف له من الصحابة رضي الله عنهم مخالف » 20 .

و كذلك التابعون

فهذا مسروق بن الأجدع ( المتوفّى 64 هـ ) رأى معاوية قد بَعَثَ بتماثيل من صفر لتُباعَ بالهند ، فقال : « والله ، لو أنّي أعلم أنّه يقتلني لغَرَّقْتُها ، و لكنّي أخافُ أنْ يعذّبني فيفتنني .
والله ، لا أدري ؟ أي الرجلين معاوية : رجل قد زُيِّنَ له سوءُ عمله ؟ أو رجل يئس من الآخرة فهو يتمتّعُ في الدنيا ؟ 21 .
و الزهريّ ، محمّد بن مسلم بن شهاب ( المتوفّى 124 هـ ) أَسْنَدَ حديثاً إلى جندع الصحابيّ ، جاء فيه : سمعتُ النبي ( صلى الله عليه و آله ) يقول : « من كذبَ عَلَيَّ مُتعمِّداً فليتّبوّأْ مقعدَهُ من النار » و سمعتُه ـ و إلاّ صُمّتا ـ يقولُ ، و قد انصرف من حجّة الوداع ، فلمّا نزل غدير خُمٍّ قامَ بينَ الناس خطيباً ، و أَخَذَ بيد عَلِيٍّ ، قال : « من كنتُ مولاهُ فهذا عَلِيٌّ وليُّه ، اللهمَّ والِ مَنْ والاهُ و عادِ مَنْ عاداهُ » .
قال الراوي للزهري : ألا تحدّثُ هذا بالشام ؟ و أنت تسمعُ مِلأَ أُذنيك سَبَّ عَلِيٍّ ؟!
فقال الزهريّ : والله إنّ عندي من فضائل عَلِيٍّ ما لو تحدّثتُ لقُتِلتُ 22 .

* * *

و قبل هذا ، و بعده :
فالعقلُ السليمُ يحتّمُ على الإنسان الابتعاد عن الخطر ، و الاجتناب عن الضرر ، و بما أنّ تكليفاً مثل هذا لا يصدرُ من المشرّع الحكيم ، الذي أتى بالأحكام إلاّ لمصالح العباد ، و لا يريد الحرج و العُسر بهم ، فالمفروض عقلاً هو تخلّيه عن التكليف المؤدّي إلى ذلك .
كما أنّ الأمر إذا دارَ بينَ الأهمّ و المُهمّ ، فإنّ التضحية بالأهون في سبيل تحصيل الأهمّ من بديهيات العقل ، و مسلّمات العقلاء في شؤونهم الخاصّة .
و إذا كان مثل هذا في الشؤون الاجتماعية العامّة ، و الهامّة من أُمور الدين ، أو ما يرتبط بجماعة المسلمين ، فإنّ تقديم الأهمّ يكون أكثر ضرورةً ، و أوضح دلالة و أكثر قناعة .
و المشرّع الحكيم لم يتجاوز هذه الحقائق بل أقرّها في نصوصه التي شرّع فيها « التَقِيّة » ، و قد قدّمنا بعضها ، و استدلّ بها فقهاءُ الإسلام ، أجمعون ، و استنبطوا منها ركائز « التَقِيّة » و شرائطها ، و جدّدوا أهدافها و مصالحها ، و طبّقوها على مواردها المختلفة ، في العقيدة و الشريعة .

* * *

أهدافها و مصالحها

يمكن أن نستخلص من أدلّة « التَقِيّة » ، أنّها تدور على الأهداف التالية ، لنتحقّق بها المصالح العظيمة :

    تحديد « التَقِيّة » بموارد الإكراه و الضرر ، الموجَّهين إلى الأشخاص ، حتّى في الكرامة و الشخصية ، كالإهانة و التذليل ، فهي مشرّعة لحماية المسلم و حفظ كرامته و صيانة شخصيّته أن تُصاب بأذىً ، أو يوجّه إليها سوءٌ . فإذا كانت الشريعة الإسلاميّة ، قد شرّعت لنفع الإنسان ، فلابدّ أن لا يصيبه من جرّاء أيّ حكم إسلامي ضررٌ شخصيٌّ .
    و إذا كانت العناية الإلهيّة بالفرد إلى ذلك الحدّ ، فإنّ عنايته بالجماعة الإسلاميّة لابدّ أن تكون بشكل أشدّ ، فتكون المحافظة على المجتمع الإسلاميّ ككلّ ، و صيانته ـ من التمزّق و التشتّت و الانفلات و الضياع ـ من الأهداف السامية للتشريع . فإنّ الحفاظ على المجموعة أهمُّ و أولى و آكد .
    و إذا كان الدين ، هو أهمّ الأغراض لأصل الخلق و التشريع ; فإنّ في « التَقِيّة » تحكيماً للدين عقيدةً و شريعةً ، حيثُ تدلّ على رفع الإكراه و العسر و الحرج ، و أنّ الدين يُسرٌ و صلاحٌ و أمنٌ ، و أحكامه مصونةٌ من القسوة و الشدّة و العنت .

فإذا كانت أحكام الشريعة و العقيدة ـ و بعدَ ثُبوتها و تقرّرها و إنجازها على الأرض ـ ترتفعُ عن المسلم عند أدنى ضرورة أو خطورة ، أو تهديد ، أو حتّى مجرد التخوّف من شيء منها فكيف يمكن اتّهام مثل هذا الدين ، بالقسوة و العنت ؟!
و كيف يمكن اتّهام الإسلام بقيامه بالسيف ، و اتّهام أهله بالإرهاب ؟
ففي تشريع « التَقِيّة » دعوةٌ سليمةٌ هادئةٌ إلى الله و دينه . إنّ « التَقِيّة » ، و بهذه المُواصفات .
و مع هذه الأهداف و المصالح أصبحت « التَقِيّة » محلّ اهتمام الفقهاء من المذاهب الإسلاميّة كافّةً ، فقد عقدوا لها كتباً و أبواباً و فصولا فقهيّة شرحوا فيها ما يرتبط بها من المسائل و الأحكام الفرعيّة 23 .
و مع هذا فقد جُوبه تشريع « التَقِيّة » بمعارضة من قبل مجموعة من الناس ، تدعمهم السلطات و الحكّام .
و يبدو أنّ « التَقِيّة » ـ و بأهدافها السامية ـ أصبحت سدّاً منيعاً أمام الذين يريدون السوء بهذا الدين و أهله ، فكانوا يُحاولون جرّ أصحاب الدين و حماة العقيدة و حاملي الشريعة إلى المواجهات الدمويّة حتّى يُبادوا ، أو يحجر عليهم ، و يتخلّص أصحاب الحكم و السطوة من معارضتهم ، لكنّ « التَقِيّة » التي كان المؤمنون يستخدمونها ، صانتهم من الوقوع في شباك السلطة و دسائسها ، فيبقى المؤمنون يستمرّون في الدفاع عن الحقّ ، و ينشرون الحقيقة و الوعي ، فيظلّون شوكةً في أعين الحكّام و شجىً في حُلُوق العابثين .
* * *

الشبهات المثارة ضدّ التقيّة

و لقد كان لوعّاظ السلاطين ، و للعملاء الأميريين من علماء السوء ، الدور البليغ في إثارة الشُبُهات في وجه « التَقِيّة » و تقبيح سُمعة الذين يلتزمون بها من المؤمنين ، هي من قبيل ما يلي :

 

الشبهة (1) التقية هي النفاق و الكذب

و أقدم شبهة اُثيرت ضدّ « التَقِيّة » أنّها « نِفاقٌ » لأنّ الشخص عندها : يُضمرُ في قلبه خلافَ ما يُظْهر على لسانه أو عمله ، فيتظاهرُ بما لا يعتقد ، فهذا هو النفاق و الكذب .
قال ابن تيمية الحرّاني : « التَقِيّة » ليست بأنْ أكذبَ و أقول بلساني ما ليس في قلبي ، فإنّ هذا نفاقٌ ، و لكن أفعل ما أقدر عليه ، فالمؤمن إذا كان بين الكفّار و الفجّار لم يكن عليه أن يجاهدهم بيده مع عجزه ، و لكن إن أمكنه بلسانه ، و إلاّ فبقلبه ، مع أنّه لا يكذب و يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، إمّا أن يُظهر دينه ، و إمّا أن يكتمه . . . و كتمان الدين شيء ، و إظهار الدين الباطل شيء ، فهذا لم يُبِحْهُ الله قطّ ، إلاّ لمن أُكره بحيث أُبيح له النطقُ بكلمةِ الكفر فيعذرُهُ اللهُ ، و المنافق و الكذّاب لا يُعذر بحال 24 .
و قد كان المنافقون يستفزّون الصحابيّ الجليل حُذيفة بن الَيمَان ( رضي الله عنه ) الذي كان عنده أسماء المنافقين ، و لكنّه كان يُخفيها رعايةً لمصلحة الإسلام العامّة بعد النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و حيث أنّ المنافقين اختفوا تحت الرؤوس الكبيرة ، و تسلّلوا إلى المناصب العُليا في الدولة الإسلاميّة ، فلذا لم يَجْرِ لهم ذِكْرٌ لائح ، ولم يُعْثَرْ لهم على أَثَر واضح ، و إنّما راحوا يعملون وراءَ الكواليس ، فكانُوا يهابُون حُذيفة ; لعلمه بهم ، و يخشون أن يَجهرَ بأسمائهم ، و هو المقبول القول عند المسلمين ، فلذلك كانوا يُحيطونه بكلّ وسيلة لمعرفة ما إذا كان يُدلي بما يفضحهم ؟ حتّى يرموه بالسهام التي رَمَوا بها سعدَ بن عبادة و هي سهام الجنّ ، و يتخلّصوا منه .
و لكنّ حذيفة كان ذكيّاً مؤمناً ، يكتمُ أمرهم ، و يتّقيهم ، فكانوا يستفزّونه ليُخرجوا ما يكتمُ في قلبه ، فاتّهموه بالنِفاق .
فقيل لحذيفة : إنّك مُنافِقٌ ؟
فقال ( رحمه الله ) : أشتري ديني بعضَه ببعض 25 .
و قال السرخسي : و قد كان بعضُ الناس يأبى ذلك « أي التَقِيّة » و يقول : « إنّه من النفاق » !
و الصحيح أنّ ذلك جائز 26 .

و الجواب عنها

1 ـ أنّ قوله تعالى : ﴿ ... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ... ﴾ 10 صريح الدلالة على أنّ ما يكتمه المؤمنُ في قلبه و هو الإيمان هو خلافُ ما يُظهرُهُ بلسانه مُكرَهاً عليه ، و هذا هو الذي عمله عمّارٌ و جماعتُه . و هذا بخلاف النفاق فهو أنْ يُظهر الإيمانَ و هو كافر في قلبه .
فابنُ تيمية لم يعرف معنى النفاق ، فما ذكره ابن تيمية ـ و سمّاه نفاقاً لم يُبْحهُ الله قطّ ـ هو بعينه الذي قد أباحه الله في القرآن ، كما صرّح ابن تيميّة نفسه في نهاية كلامه .
و هذا الذي يسمّيه المسلمون « تقيّة » و يسمّيه ابن تيمية « نفاقاً » .
2 ـ أنّ هذا العمل ، قد قامت عليه الأدلّة المعتبرة في الشريعة الإسلامية ، من الكتاب و السنّة و الإجماع و العقل ، و قد أطبق فقهاء الأمّة على العمل بالتقيّة مدى القرون منذ عصر النبوّة و حتّى يومنا هذا . فمهما سمّي فهو عمل مشروع ، و تحريمه واتّهامه بالنفاق اتّهام للاُمّة الإسلاميّة بكاملها ، و اتّهامها كذلك باطل ، فيكون شبهةً واضحة في مقابلة بديهة « التَقِيّة » .

 

الشبهة (2) ـ ضياع الحقّ و كتمانه

نسب إلى أحمد بن حنبل ( المتوفّى 241 هـ ) أنّه سئل : إذا عرضتَ على السيف تجيب ؟ قال : لا : إذا أجاب العالمُ تقيّةً ، و الجاهلُ يجهل ، فمتى يتبيّن الحقّ ؟ 27 .

و الجواب

    أنّ الله الذي شرّع « التَقِيّة » ، هو الذي وَعَدَ بإظهار الدين ، فقال تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ 28. مع أنّ الرسول و أهل بيته و الصحابة ، و علماء الأُمّة لم ينحصروا في عدد ، ولم ينحسروا عن المواقع ، حتّى يتمكّن الظالمون من كتمان الحقّ كلّه .
    أنّ من أهداف « التَقِيّة » هو المحافظة على حاملي الحقّ حتّى يبثّوه و ينشروه في مواقع الفُرص التي تسنحُ ، و قد أوجبَ عليهم ذلك ، و حاشاهم أن يقصّروا في أدائه .
    إنّ هذا اجتهادٌ في مقابل النصّ الذي شرّع « التَقِيّة » بشهادة جميع الفقهاء و المفسّرين ، و قد سمعتَ عمل الصحابة و أقوالهم . فنحنُ نربؤُ بالإمام أحمد أن ينسب إليه مثلُ ذلك القول الباطل ، الذي لم يعمل به هو ، بل أجاب بأدون من ذلك .
    إنّ المفروض في ذلك القول ، هو انحصار طريق الحقّ و بيانه بما فيه « التَقِيّة » فلو كان الأمر المجبَر عليه من مهمّات الدين ، لم تكن « التَقِيّة » مشروعة فيه ، بل يجب على المؤمن التضحيةُ في سبيل تحقيق الحقّ ، كما أقدمَ القرّاء و العلماء و الأنصار و الأئمّة بالتضحيات الكبرى في تاريخ المسلمين ، فكانت وقعة كربلاء الرهيبة ، و وقعةُ الحرّة السوداء في المدينة ، و وقعة الجماجم و عين الوردة الحمراء في الكوفة ، و وقعة فخّ الفجيعة في الحرم المكّي ، و غيرها من أيّام العرب في الإسلام .

 

الشبهة (3) إنّ « التَقِيّة » خاصّة بالعقائد ، دون فروع العمل

فباعتبار أنّ تشريع « التَقِيّة » في القرآن ، في قصّة عمّار ، كان في مسألة إظهار الكفر و القلب مطمئنٌ بالإيمان ، فهو خاصٌّ به ، لا يتجاوزه إلى شؤون العمل و العبادة الفرعيّة .

و الجواب

1 ـ إنّ « التَقِيّة » إذا جازت في أمر الكفر و الإيمان ، من أُصول الدين ، فجوازها في فروعه أوضح ، بالأولويّة القطعية ، لأنّ جواز الأهمّ يستلزم جواز المهمّ .
2 ـ إنّ ملاك الجواز ، و المبيح شرعاً للتقيّة في مسألة الإيمان و الكفر ، هو « الإكراه » فهو يقتضي وجود تشريع « التَقِيّة » في كلّ مورد كان فيه « الإكراهُ » من دون فرق بين أصل و فرع ، كما أفتى بذلك الفقهاء أجمع .

 

الشبهة (4) « التَقِيّة » خاصّة بالتظاهر باللسان دون العمل

ورد في الحديث عن ابن عبّاس أنّه قال : « « التَقِيّة » باللسان ، من حُمل على أمر يتكلّمُ به و هو لله معصيةٌ ، فتكلّمَ مخافةً على نفسه ، و قلبُه مطمئنٌ بالإيمان ، فلا إثم عليه ، إنّ « التَقِيّة » باللسان » 29 .

و الجواب

إنّ العلماء ـ الفقهاء و المفسّرين ـ أجمعوا على تشريع « التَقِيّة » في اللسان و في العمل ، و ليس ما ذكره ابن عبّاس إلاّ مورداً واحداً للتقيّة ، و مثالاً خاصّاً لها ، و إلاّ فالأدلّة و الأقوال مطلقةٌ تشملُ غير اللسان أيضاً ، تبعاً لما هو المكرَهُ عليه ، و قد صرّحوا بشموله للزنا و شرب الخمر و غيرهما من الكبائر . فراجع كتب التفسير ذيل آية « التَقِيّة » في سورة آل عمران و سورة النحل ، و ما عنونه الفقهاء في كتب الإكراه و مبحث « التَقِيّة » .

 

الشبهة (5) إنّ « التَقِيّة » تثبيطٌ عن الجهاد المقاومة

قال القفاري : و « التَقِيّة » في دين الإسلام ، دين الجهاد و الدعوة ، لا تمثّل نهجاً عامّاً في سلوك المسلم ، و لا سمةً من سمات المجتمع الإسلامي ، بل هي ـ غالباً ـ حالةٌ فرديّةٌ مؤقّتةٌ مقرونةٌ بالاضطرار ، مرتبطةٌ بالعجز عن الهجرة ، و تزولُ بزوال حالة الإكراه 30 .
و يظنّ بعض الثوريّين المتحمّسين للحركة الإسلاميّة الحديثة أنّ « التَقِيّة » من أدوات التأخّر و التخلّف ، و أداة لتشجيع الكفّار و الفسقة من الرؤساء و الاُمراء و الملوك المتحكّمين على البلاد الإسلاميّة و شعوبها ، فهم يُعارضونها و يجعلونها علامةَ الخنوع و التذلّل و الضعف و الخوف .

و الجواب

إنّ الدينَ الإسلامي ، هو دين التعبُّد لأنّ تشريعه إلهيّ ، و المؤمن يجبُ عليه أن يأخذ بما شرّع الله من عُسر و يُسر ، فكما أنّ الجهاد و الدفاع و الدعوة تشريعٌ ، فالتقيّة أيضاً تشريع يجب أن يؤخذ و يعمل به ، و لكلّ تشريع مداهُ و مدارهُ و ملاكهُ و شروطهُ ، و قد أوضحنا مدى « التَقِيّة » و ملاكها و شروطها ، و منها : أن لا يمسّ كيان الدين و أساسيّاته ، و لا كيان المجتمع و وحدته ، و لذا قد استثني من « التَقِيّة » أُمور مثل هذه ، و مثل الدم ، فإذا بلغت « التَقِيّة » أن يُراق دمُ مسلم بريء ، فهي حرام و لا تقيّةَ ، كما صرّح الفقهاء .
و الجهاد و الدعوة واجبانِ في موضعهما و بشرائطهما المقرّرة في الفقه الإسلامي ، و منها : أن تكونا بالحكمة و بأهداف مقرّرة أيضاً ، و لو خالفها المسلم كان تهوّراً و إلقاءً لنفسه في التهلكة ، فحمايةُ الدين و الجهاد في سبيله من المصالح العامّة التي لا تُرفعُ اليدُ عنها ، لا بتقيّة و لا بغيرها ، و لا يجوزُ التخلّفُ عنها لا للفرد و لا للمجتمع ، بل هو واجبٌ عامٌّ على الجميع .
ثمّ إنّ الفقهاء قد قرّروا موارد تكون « التَقِيّة » فيها « رُخصة » يجوز للفرد تجاوزُها و له تحمّلُ التهديد و المكروه ، و تكونُ في موارد أُخرى عزيمةً ، لا يجوزُ له تركُها ، و مواردُ لا يجوزُ الالتزام بها فتحرُمُ . فهي في ما يمسُّ الفرد من المكروه الخاصّ ، مرخّصةٌ ، يجوزُ له أن يلتزمَ بها ; لأنّ الله أجاز ذلك له ، فيدفعُ بها عن نفسه الأذى و المكروه . و لكن إذا مسّ الضررُ و المكروه المتوعّد عليه جماعةَ المسلمين و كيانَ المجتمع الإسلاميّ ، فالتقيّة على الفرد المؤمن واجبةٌ ، حفاظاً على الجماعة ، و حمايةً للمجتمع ، و لا يجوزُ له التهوّرُ و التخلّي عن مبدأ « التَقِيّة » و لو بعنوان الجهاد و الدعوة ، فإذا كان عمل الفرد مؤدّياً إلى تشتّت المسلمين أو كشف عوراتهم للعدوّ المتربّص أو فضح الجماعة و فشل مخطّطاتهم ، أو يؤدّي إلى عذاب الكلّ دون فرد واحد ، فلا يجوز له التهوّرُ و توريط الكلّ و تفشيل الخطط باسم « الدعوة » و « العمل » و « الجهاد » و غير ذلك من العناوين الإسلاميّة الشريفة .
إنّ استثمار هذه الأسماء ، لضرب « التَقِيّة » هو من أخبث أساليب العداء للشريعة و المؤمنين بها .
و أخيراً ، فإنّ المتّهم بالتقية ـ و هم الشيعة الذين يقول عنهم القفاري في نفس الصفحة : « لكنّها في المذهب الشيعي تُعدُّ طبيعةً ذاتيةً في بيئة المذهب ، و « التَقِيّة » عندهم حالةٌ مستمرّةٌ و سلوكٌ جماعيٌّ » ـ إنّ تاريخ هؤلاء مليءٌ بالنضال و الثورة و الجهاد و الدعوة ، فلا يمرُّ قارىءُ التاريخ بعهد و لا بأرض إلاّ و يجدُ دماءَ هؤلاء بقيادة أئمّتهم و ساداتهم من أهل البيت ( عليهم السلام ) و أعلام من علمائهم ، مبثوثةً ، و منتشرةً و قبورُهم و مشاهدُهم شواهدُ تزهرُ و تتلألأُ في مختلف بقاع الأرض ، دلالات واضحةً على ما قدّموا من تضحيات و بطولات ، و براهينَ على أنّ تلك الأراضي هي للمسلمين منذُ تلك العُصُور التي ركّزَ فيها هؤلاء أعلامَ الدين و الهداية من أقصى المغرب العربيّ ، إلى ما وراء النهر في سمرقند و كشمير و الصين .
إنّ أصحاب « التَقِيّة » همُ الذين خاضُوا تلك المعارك بإيمانهم و تديّنهم بما شرع الله ، و لا تزالُ رايات الجهاد و النضال في أيديهم في عالمنا اليوم ، و لهذا قد اتُّهِموا بالخُرُوج ، في لغة التاريخ القديم ، و هم يُتَّهَمُون بالإرهاب في لغة العصر الحديث .
أَلِمِثْلِ هؤلاء ، و لِمِثْلِ تشريع « التَقِيّة » ، يُقال ذلك الكلام الباطل ؟ و تُوَجَّهُ هذه الشبهة المزيّفة ؟
و سيأتي توضيح أكثر لهذا في الشبهة رقم (7) .

 

الشبهة (6) ـ إنّ « التَقِيّة » إنّما تختصُّ بمواجهة الكفّار ، دون المسلم في الدولة الإسلامية

قال القفاري : و « التَقِيّة » في الإسلام ـ غالباً ـ إنّما هي مع الكفّار . . . قال ابن جرير الطبري : « التَقِيّة » التي ذكرها الله في هذه الآية ( 28 آل عمران ) إنّما هي تقيّةٌ من الكفّار لا من غيرهم . و لهذا يرى بعض السلف أنّه لا تقيّةَ بعد أن أعزّ الله الإسلام ، قال معاذ بن جبل و مجاهد : كانت « التَقِيّةُ » في جِدّة الإسلام قبل قُوّة المسلمين ، أمّا اليوم فقد أعزّ اللهُ المسلمين أن يتّقوا منهم تقاة 31 .

الجواب

أوّلا : ورود تلك الآية في مورد « التَقِيّة » مع الكفّار واضح ، و قصّة عمّار و جماعته واضحةٌ للجميع ، و إنّما الكلامُ في تعميمها حسب القواعد الفقهيّة ، كما عليه علماءُ الإسلام من فُقهاء و مُفسّرين و مُحدّثين ، كافّةً .
ثمّ قول بعض السلف عن اليوم الذي أعزّ الله المسلمين صحيحٌ ، و لكن ماذا عن اليوم الذي ذلّ فيه الإسلام و عاد فيه غريباً كما بدأ ، كما في الحديث الشريف ؟ و ماذا عن غير الغالب الذي يعترفُ به القفاري ؟
ثانياً : إنّ الحكم الشرعيّ للتقيّة ـ ترخيصاً و وجوباً ـ لا يختصُّ بمورد و لا بزمن و لا بالآية السابقة فقط ، بل يدورُ مدارَ ملاكه و حكمته و سببه و هو الإكراه المستثنى في قوله تعالى : ﴿ ... إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ... ﴾ 10فمتى ما وجد ؟ و أين ما كان ؟ فله حكمه .
و أمّا دلالة السنّة المطهّرة على تعميم « التَقِيّة » للمسلمين ، فواضحة كذلك في نُصوصها الكثيرة ، و لذلك عمّمَ الفُقهاء فتاواهم بذلك .
قال الشافعي : إنّ الحالةَ بين المسلمين ، إذا شاكلت الحالةَ بين المسلمين و المشركين ، حلّت « التَقِيّةُ » محاماةً على النفس 32 .
و قال ابن حزم : لا فرقَ بين إكراه السُلطان أو اللصوص أو من ليس سلطاناً ، كلُّ ذلك سواءٌ في ما ذكرناه 33 .
فكلمة « السلطان » تعمُّ المسلم ، بل تنصرفُ إليه لوجود ابن حزم في بلاد الإسلام ، و كذلك اللصوص .
و قال السرخسي : و لو أنّ لُصوصاً من المسلمين تجمّعوا و تغلّبوا على مصر و أمّروا عليهم أميراً ، فأخذوا رجلا فقالوا : « لَنَقْتُلَنّك أو لَنَشربَنَّ هذا الخمرَ أو لتَأكُلَنَّ هذه الميتة ، ففعلَ شيئاً من ذلك ، كان عندنا في سعة ، لأنّ حرمة هذه الأشياء ثابتةٌ بالشرع ، و التحريم مخصوصٌ بحالة الاختيار ، و قد تحقّقت الضرورةُ هُنا لخوف التلف على نفسه بسبب الإكراه ، و إن لم يفعل ذلك حتّى يُقتل كان آثماً 34 .
و ثالثاً : إذا كان الإكراهُ من الكافر يُبيحُ الإظهار لكلمة الكُفر ، فالإكراهُ من المسلم إذا جاء منه الخطرُ و تحقّق الإكراه على سائر المعاصي التي هي أهونُ من الكفر كانت إباحتها أهونَ و أسهلَ ، و إذا كان تهديدُ المسلم أشدَّ و عذابُه أكبرَ من عذاب الكافر فالتقيّةُ منه أوجبُ ، فإنّ الخطر من الظالم المدّعي للإسلام قد يصلُ إلي ما لا يفعله حتى الكفّار بالمسلمين ، و لا ما يفعله المسلمون بالكفّار ، كما صدرَ عن الحَجّاج الثَقَفيّ ، و بُسر بن أرطاة و مسلم بن عقبة ـ من أمراء الأمويين ـ بأهل مكّة و المدينة ، و بشيعة علي ( عليه السلام ) في ولاياتهم ، أيّام سلطان بني أُميّة .

 

الشبهة (7) ـ و أحدث الشبهات و أخطرها : أنّ « التَقِيّة » من بدع الشيعة و منفرداتهم

فقال مؤلّفو الموسوعة العربيّة الميسرة : « « التَقِيّة » : عملٌ سرّيٌّ لحفظ الإمامة عند الشيعة » 35 .
و قال القفاري في الباب الثالث : أُصولهم و معتقداتهم ( الأُخرى ) التي تفرّدوا بها ، و فيه ثمانية فصول : الفصل الأول : الإمامة ، الفصل الثاني : عصمة الإمام ، الفصل الثالث : « التَقِيّة » ، الفصل الرابع : المهدية و الغيبة . . . 36 .
و القارىء الكريم يعرفُ ببساطة مدى ما تورّطَ فيه أصحابُ هذه الشبهة من جهل بالثقافة الإسلاميّة و مصادرها ، فالتقيّةُ عملٌ إسلاميٌّ جاء به القرآن ، و السنّة النبويّة ، و عليه إجماعُ المسلمين و عملُهم! ولم تنفرد به الشيعةُ ، بل كلّ المسلمين ، و من جميع المذاهب يلتزمونها و يُطبّقونها في حياتهم . و ليست خاصّةً عند الشيعة و لا غيرهم بالإمامة ، بل تجري في كلّ شيء من عقيدة أو عبادة ، و غيرها ممّا يقعُ الإكراهُ عليه .
و القفاري يُضيف : « في المذهب الشيعي تُعدُّ « التَقِيّة » طبيعةً ذاتيةً في بُنية المذهب . . . و « التَقِيّة » عندهم حالةٌ مستمرّةٌ و سلوكٌ جماعيٌ دائمٌ » 37 .
و بما أنّ « التَقِيّة » تشريعٌ إسلاميٌّ جاء به القرآنُ و السنّةُ ، و أجمعت عليها الأُمّة فهي تدخلُ في ذات الشريعة الإسلاميّة كمقولة ، فما معنى عدّها في بُنية المذهب الشيعي فقط ؟
و إذا كانت تشريعاً ، فهي لابدَّ أن تكون باقيةً مستمرّةً إلى يوم القيامة ، من حيث إنّ الشريعة الإسلاميّة هي التشريع الإلهيّ الخالد الخاتم للشرائع فحلال محمد حلالٌ إلى يوم القيامة ، و قد صرّح الحسن البصري بقوله : « « التَقِيّةُ » جائزةٌ للمؤمن إلى يوم القيامة » 38 .
فلماذا يخصّصها القفاري بالشيعة ؟
و هذا أيضاً دليل على الجهل بشؤون « التَقِيّة » في الإسلام .
و عندما يصطدمُ هؤلاء بالواقع المُرّ في اتّهام الشيعة ، يلجأونَ إلى تعديل الموقف ، فيقول الشيخ أحمد محمود شاكر ـ في تعليقه على دائرة المعارف الإسلامية ـ :
ما نُسِبَ إلى الشيعة الإمامية من الغُلُوّ في « التَقِيّة » فما نظنّ كلَّه صحيحاً .
و بعد أن أورد كلاماً للسيّد الشريف الرضيّ ـ قال : فهذا و غيرُه يؤيّدُ ما ذهبنا إليه من تبرئة الأئمّة من الشيعة عن عار هذه التهمة التي أُلصقت بهم 38 .
و مع هذا فإنّ القفاري يقول : « أمّا سببُ هذا الغُلُوّ في أمر « التَقِيّة » فتعود إلى عدّة أُمور » 39 و بذكر أُموراً تؤكّدُ للقارىء بُعْدَهُ عن الحقّ و الحقيقة ، و عدم معرفته لأوليّات العلم في مختلف الموضوعات المطروحة عنده 40 .

 

و المهمّ معرفة أمرين

الأول : ما هو موقفُ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) و شيعتهم من « التَقِيّة » ؟
الثاني : لماذا هذا الهجوم على « التَقِيّة » ؟

 

أمّا الأمر الأوّل : موقفُ أهل البيت ( عليهم السلام ) و شيعتهم من « التَقِيّة »

إنّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) باعتبارهم علماء بالدين و حماة له ، لخلافتهم عن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) فإنّهم اهتّموا بالتقيّة كواحد من أهمّ قواعد الشريعة ، و قد بيّنوا معالمها و قرّروا قواعدها ، و شرحوا أهدافها و ميزاتها ، لتسهيل الاستفادة منها للمؤمنين في الدولة الإسلاميّة ، و لئلاّ تضيعَ بين جهل الجاهلين ، و تزييف المغرضين الحاقدين .
و لكونهم أعرفَ بالتقيّة ميدانياً ، لابتلائهم بموجِباتها و ما تُلجىء إليها و يفرضها ، لأنّ أهل بيت النبي ( صلى الله عليه و آله ) ـ و بالرغم من عظمتهم و قدسيّتهم و كرامتهم و الوصيّة بهم لكونهم قُربى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) ـ فإنّهم ابتُلُوا في هذه الأُمّة ، و جُوبِهُوا بالعُدوان على طُول الخطّ :
قال المؤرّخ المصري المحقّق السيّد أحمد صقر :
« و لا يعرفُ التاريخُ أُسرةً كأُسرة أبي طالب ، بلغت الغاية من شرف الأرومة و طيب النَجار ، ضَلَّ عنها حقُّها ، و جاهدت في سبيل الله حقّ الجهاد ، على مرّ الأعصار ، ثمّ لم تظفر من جهادها المرير إلاّ بالحسرات ، ولم تعقب من جهادها إلاّ العبرات ، على ما فقدت من أبطال أسالوا نفوسهم في ساحة الوغى ، راضيةً قلوبُهم ، مطمئنةً ضمائرُهم ، و صافحوا الموت في بسالة فائقة ، و تلقّوه في صبر جميل يُثيرُ في النفس أفانين الإعجاب و الإكبار ، و يشيعُ فيها ألوانَ التقدير و الإعظام .
و لقد أَسرَفَ خُصومُ هذه الأُسرة الطاهرة في مُحاربتها ، و أذاقُوها ضُرُوبَ النَكال ، و صَبُّوا عليها صُنُوف العذاب ، ولم يرقُبوا فيها إِلاًّ و لا ذِمّةً ، ولم يرعَوْا لها حقّاً و لا حُرمةً ، و أفرغُوا بأسَهم الشديدَ على النساء و الأطفال و الرجال ، في عُنْف لا يشوبُهُ لينٌ ، و قسوة لاتُمازجُها رحمةٌ ، حتّى عُدّت مصائبُ أهل البيت مضربَ الأمثال في فظاعة النَكال .
و لقد فجّرت هذه القسوةُ البالغةُ ينابيعَ الرحمة و المودّة في قُلُوب الناس ، و أشاعت الأسَفَ المُمِضَّ في ضمائرهم ، و ملأت عليهم أقطارَ نُفُوسهم شَجَناً ، و صارت مصارع هؤلاء الشُهداء حديثاً يُروى ، و خَبَراً يُتناقَلُ ، و قَصَصاً يُقَصُّ 41 .
و حتّى ملأت أخبارُ مقاتلهم صحائفَ الكتب ، و ملأت أنوارُ مشاهدهم جوانبَ الأرض ، و هل بعد ذلك نكونُ بحاجة إلى التدليل و الاستشهاد على أنّهم كانوا في تقيّة دائمة ؟ ليتمكّنوا من الاستمرار في الحياة ، و أداء الدور البليغ المُلقى على عواتقهم من تبليغ ما حملوه من دين و علم إلى الأجيال .
و مع كلّ هذا فإنّ القفاري يقول : « ثمّ هل هُناك حاجةٌ للتقيّة ؟ في تفسير القرآن ؟ و في القُرون المفضلة ؟ و من عالم أهل البيت في عصره ؟ 42 .
و كأنّه لم يحدُث شيءٌ لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، في القرون المفضّلة لاشيء من القتل و لا التهجير و الأسر و لا الحبس في المطامير ؟! .
و لقد استخدم أهلُ البيت ( عليهم السلام ) « التَقِيّة » وسيلةً مشروعةً و آمنةً ، تُبعدُ عنهم بعضَ الأذى والمكروه ، مُحاولين البقاء في الساحة الإسلامية ، مُحافظين على قضايا الإسلام المصيرية ، و مسائل الاُمّة الكبرى ، و على وجودهم في مراكز العلم و التصميم ، ولم يحاولوا الخروج منها إلاّ إضطراراً عندما سعى الظالمون إبعادهم عنها ، تحجيماً لهم . و تمكّنوا بهذا من الإستمرار في بثّ العلم و الهدى ، و نشر الحقّ و المعرفة على أيدي الثقات من أصحابهم و شيعتهم الكرام . و كذلك الشيعة المتّصلون بأهل البيت ( عليهم السلام ) تعرّضوا لهجمات الأعداء ، فلذلك كانت تعليمات الأئمّة لهم و توصياتهم إيّاهم بالتقيّة ، ملجأً وثيقاً ، في ظلّها أمنوا من بعض الظلم و النكال ، و تمكّنوا من بثّ الدين و الحقّ .
قال الشيخ الطوسي : لم تر فرقةٌ ، و لا بُلِيَ أهلُ مذهب ، بما بُلِيَتْ به الشيعةُ ، حتّى لا تكادُ تعرفُ زماناً سلمت فيه الشيعةُ من الخوف و لزوم « التَقِيّة » ، و لا حالا عَرِيَتْ فيه من قصد السلطان و عصبته و ميله و انحرافه 43 .
لكلّ هذا اتّسع حديثُ أهل البيت ( عليهم السلام ) عن « التَقِيّة » حتّى اتّهموهم و شيعتهم بابتداعها أو المُغالاة فيها ، بما عرفت بُطلانه .
فهم ( عليهم السلام ) عرّفوها و بيّنوا أهدافها و حدّدوا شرائطها ، و مواضعها و حثّوا الشيعة على استخدامها بدقّة ، و أمروهم بالُمخالطة مع الناس ، و الحُضُور في مجالسهم و نواديهم و رغّبوهم في الاشتراك في الجماعات ، و عدم الانعزال ، و هذا أمرٌ لابدّ منه ، فأمروهم بالُمجاملة و المُداراة و هي « التَقِيّة » في أدقّ أهدافها و أوضح طرقها .
و في كلّ هذا ما يفنّد مزاعم الأعداء و الحاقدين باتّهام الشيعة في استخدام « التَقِيّة » لتغطية الحقّ و كتمانه و تركه ، إذْ لو كان ذلك هو الغرض للجأ الشيعة إلى الاختفاء في أقاصي البلاد و الابتعاد عن المراكز و المجامع التي يوجد فيها الأعداء و سلاطين الجور ، لكن المفروض عليهم من أئمّتهم هو ضدّ ذلك ، حتّى يتمكّنوا من الحفاظ على الحقّ و بثّه و نشره كي لا يموت ، و كي تتمّ الحجّةُ على من لا يعرفُ ، و لئلاّ يخلو الجوُّ للظلمة و لا تنفرد الساحة لعُلماء السُوء ، يبثّون ما يُريدون ، و يمرحون بما يحبّون و يسرحون .

 

و أمّا الأمر الثاني : لماذا هذا الهجوم على « التَقِيّة » ؟

من هنا تعرف السبب في هُجُوم عُلماء البِلاط على « التَقِيّة » فإنّ الأُمراء و السلاطين لا يتمكّنون مع « التَقِيّة » من كشف المُعارضين و الوقوف على أشخاصهم و أعمالهم و أهدافهم ، و هو ضروري ليتمكّنوا عن القبض عليهم و إبادتهم ، فلذلك روّجوا ضدّها الدعايات و الشبهات و بمعونة وعّاظ السلاطين و عُلماء البِلاط .
و الهدف أن تُظهر المعارضةُ نفسها : فإمّا أن يُجرُّوا إلى حرب داخلية ، نتيجتها الدمار ، أو إبادة النُخْبةُ المؤمنة .
و من هنا كان الاهتمام البليغ من قبل أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) و علماء مذهبهم بأمر « التَقِيّة » باعتبارها أمراً مبتلىً به و عملا ضروريّاً في الحياة الدينية في ظلّ حكومات الجور و الظلم والجهل على مدى التأريخ .
و الأميريّون ـ و هم الذين يعظّمون الأُمراء و يتّبعونهم و يبرّرون لهم كلّ عمل ، إنّما هَمُّهم الوحيدُ تلبيةُ إرادات الأُمراء ، و تأمين رغبتهم و تهدئة خواطرهم ، و « التَقِيّة » ـ كما عرفنا ـ من أكبر ما يُقلقهم و يزعزع راحتهم ، و يُبلبل أفكارهم ، و يروّع قلوبهم ، لأنّ المؤمن في ظلّها يتمكّن من الوصول إلى أهدافه بكلّ سهولة و يسر ، و ينجو من كلّ ما نصبه الأعداء له من عُسر و عراقيل و غدر ، و هو هادىء البال و الخاطر ، لأنّه متعبّدٌ بما شرعه الله في الكتاب و السنّة من إباحة « التَقِيّة » 44 .

_____________

    1. تصحيح الإعتقاد : 66 .
    2. المبسوط في الفقيه الحنفي : 24 / 45 .
    3. القواعد والفوائد : للشهيد : 2 / 155 .
    4. فتح الباري في شرح البخاري : 12 / 214 .
    5. رسالة « التَقِيّة » ، للأنصاري : 37 .
    6. تفسير المنار : 3 / 280 .
    7. a. b. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 28، الصفحة: 53.
    8. لاحظ النشر في القراءات العشر : 3 / 5 ، و تفسير القرطبي : الجامع لأحكام القرآن : 4 / 57 .
    9. راجع ذيل آية آل عمران 28 من تفاسير القرآن .
    10. a. b. c. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 106، الصفحة: 279.
    11. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 256، الصفحة: 42.
    12. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 6، الصفحة: 108.
    13. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 185، الصفحة: 28.
    14. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 286، الصفحة: 49.
    15. أثبته السيوطي في الدرر المنثور : 8 ، و انظر وسائل الشيعة : 15 / 269 من كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، باب 65 ، تسلسل ( 20769 ) و كنز العمال الهندي : 4 / 233 الحديث 10307 .
    16. بحار الأنوار : 72 / 412 و جامع الطبري في تفسير القرآن : 14 / 122 و تفسير الرازي : 20 / 121 .
    17. سنن ابن ماجه : 1 / 343 و كشف الأستار ، للهيثمي : 4 / 112 الحديث 3323 .
    18. تاريخ اليعقوبي : 2 / 147 و انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2 / 9 ـ 10 .
    19. المدوّنة الكبرى ، للإمام مالك : 2 / 29 .
    20. المحلّى لابن حزم : 8 / 339 رقم 1409 .
    21. المبسوط للسرخسي الحنفي : 24 / 46 .
    و يلاحظ في الحديث أمران :
    1 ـ أنّ التماثيل ـ و هي أصنام ـ إنّما كانت تُعبد في الهند من دون الله تعالى ـ و لا تزال ـ !؟
    2 ـ أنّ معاوية لم يكن بحاجة إلى أثمانها ؟! لتوفّر الأموال الطائلة عنده من بيت مال المسلمين ؟! 3 ـ فلماذا لم يحاول إبادتها ، بل كان يرسلها للبيع ؟!
    22. اُسد الغابة لابن الأثير الجزري : 1 / 308 .
    23. فمن الفقه المالكي :
    مالك بن أنس ـ إمام المذهب ـ في المدوّنة الكبرى (3 / 29) كتاب الأيمان بالطلاق ، في طلاق المكره .
    و الفقه الحنفي : المبسوط للسرخسي ( ج 24 ) كتاب الإكراه .
    و الفقه الشافعي : الاُم ، للإمام الشافعي ( 6 / 155 ) و المجموع شرح المهذّب ، للنووي ( 18 / 93 و 391 ) .
    و الفقه الحنبلي : المغني ، لابن قدامة المقدسي ( 8 / 260 و 262 ) و ( 10 / 97 و 154 و 155 ) .
    و الفقه الزيدي : البحر الزخار لابن المرتضى ( 6 / 98 ـ 100 ) و حدائق الأزهار للمهدي ، مع السيّل الجرّار ، للشوكاني ( 4 / 264 ـ 266 ) .
    و الفقه الظاهري : المحلّى لابن حزم ( 8 / 330 ـ 336 ) .
    و الفقه الأباظي : المعتبر للكدمي ( 1 / 212 ـ 216 ) .
    و شرح كتاب النيل للثميني و اُطيفيش ( 4 / 360 ) .
    و أمّا الإماميّة فقد ألّفوا في ذلك الكتب و الرسائل الكثيرة و سيأتي ذكر مصادرهم .
    هذا ، عَدِّ عن كتب التفسير في ذيل آيات « التَقِيّة » كآية آل عمران 28 ، و النحل 106 ، و كتب التاريخ و التراجم و الرجال ، ممّا استند إلى بعضها في هذا البحث ، و لاحظ للتوسّع كتاب : واقع « التَقِيّة » للسيّد ثامر هاشم حبيب العميدي ، وفّقه الله .
    24. منهاج السنّة : 3 / 260 و عنه القفاري في اُصول مذهب الشيعة : 2 / 819 .
    25. المبسوط للسرخسي : 24 / 46 .
    26. المبسوط للسرخسي : 24 / 45 .
    27. نقله أحمد شاكر في تعليقه على دائرة المعارف الإسلامية : 5 / 419 .
    28. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 33، الصفحة: 192.
    29. تفسير الطبري ( الجامع ) : 2 / 229 .
    30. اُصول مذهب الشيعة للقفاري : 808 .
    31. اُصول مذهب الشيعة : 806 .
    32. نقله عنه الرازي في التفسير الكبير : 8 / 13 ذيل آية « التَقِيّة » .
    33. المحلّى : 8 / 335 المسألة 1407 .
    34. المبسوط للسرخسي : 24 / 7 ـ 48 .
    35. الموسوعة العربية الميسرة : 540 .
    36. اُصول مذهب الشيعة للقفاري : 651 و انظر : 802 .
    37. اُصول مذهب الشيعة : 808 .
    38. a. b. دائرة المعارف الإسلامية : 5 / 419 .
    39. و قد فصّلنا الردّ على مزاعمه و خرافته في كتابنا الكبير حول « التَقِيّة » .
    40. مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرج ، المقدّمة ( ص : ي ـ ك ) .
    41. مقاتل الطالبيين ، لأبي الفرح ، المقدّمة ( ص : ي ـ ك ) .
    42. اُصول مذهب الشيعة : 816 .
    43. تلخيص الشافي للطوسي : 59 .
    44. بقلم السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي قم ـ ايران .